الهدنة اليمنيّة ضرورة حوثيّة!
Spread the love

بقلم خيرالله خيرالله

يبدو تمديد الهدنة الخبر المفرح الوحيد  الآتي من اليمن. يؤكّد هذا التمديد للهدنة، التي بدأت في شهر نيسان – ابريل الماضي احتراما لشهر رمضان، وجود تعب حقيقي لدى المقاتلين من كلّ الفئات والجهات.

في اثناء الهدنة، تغيرت أمور كثيرة. من بين ما تغيّر قيام مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد العليمي مع ما يعنيه ذلك من تفعيل ما بقي من إدارة يمنيّة، فضلا عن التخلّص من رئيس مؤقت لم تكن من حاجة له في يوم من الأيّام. على العكس من ذلك، كان عبد ربّه منصور هادي من بين الأسباب التي جعلت الحوثيين (جماعة انصار الله) يتقدمون على معظم الجبهات ويحكمون حصارهم لمدينة مأرب فضلا عن استمرار الجمود في تعز. لم تلتقط مأرب انفاسها مجددا إلّا بعد تدخل قوات العمالقة في كانون الثاني – يناير الماضي وتحريرها مناطق في محافظة شبوة من “جماعة انصار الله” وكسرها للطوق المفروض على المدينة.

لا شكّ ان المبعوث الأممي هانس غروندبرع، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، يبذل جهودا كبيرة من اجل استمرار الهدنة ومن اجل ان تكون مقدمة لمفاوضات ذات طابع سياسي يشارك فيها الحوثيون الذين يتبيّن كلّ يوم اكثر انّهم ليسوا سوى أداة ايرانيّة.

بات في الإمكان ادراج الهدنة في باب الضرورة الحوثيّة، أقلّه في المدى المنظور، لكنّ ليس ما يضمن أن تكون الهدنة بوابة لولوج حلّ سياسي في اليمن البلد الذي فقد كل مقومات وجوده كدولة موحّدة منذ العام 2011. حصل وقتذاك انقلاب نفّذه الإخوان المسلمون على نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ذي الحسنات الكثيرة والسيئات الكثيرة أيضا. استغلّ الإخوان المسلمون، يمثلهم حزب التجمع اليمني للإصلاح، ما سُمّي “الربيع العربي” للإنقضاض على نظام علي عبدالله صالح الذي عانى في السنوات الأخيرة من حكمه من تحولّه إلى شخص مزاجي في ظلّ حروب مستمرّة مع الحوثيين بدأت في العام 2004.

كلّ ما فعله الإخوان المسلمون انّهم سهّلوا التخلص من علي عبدالله صالح من دون ادراك للأبعاد التي ستترتّب على ذلك على صعيدين. الصعيد الأوّل ان الوحدة اليمنيّة كانت مرتبطة بالرجل وبوجود مركز للقرار في صنعاء. أمّا الصعيد الآخر، فهو يتمثّل في عدم استيعاب انّ كلّ ما فعلوه يصب في خدمة الحركة الحوثيّة والمشروع الإيراني لا اكثر.

بعيدا عن احداث الماضي القريب، ثمّة واقع جديد في اليمن. يقوم هذا الواقع على وجود معطيات مختلفة لا تقتصر على التخلص من عبد ربّه منصور هادي ووجود رشاد العليمي في الرئاسة فحسب، بل أيضا، على رغبة واضحة لدى الإدارة الأميركية، وإن عبر التمنيات، في وقف الحرب .

تكمن المشكلة، إلى اشعار آخر، في أنّ لا جواب عن أي سؤال يتعلّق بما تريده ايران في اليمن باستثناء انّها تعتبر تحويل شماله إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات تابعة لها إنجازا ضخما لها في منطقة الجزيرة العربيّة بحدّ ذاته.

ماذا ستفعل ايران بقاعدة الصواريخ والمسيّرات التي باتت تمتلكها في اليمن؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه قبل ايّام من مجيء الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربيّة السعودية للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بغية بذل محاولة لإعادة تأسيس الشراكة الإستراتيجية التاريخيّة بين الجانبين.

ليس معروفا هل لدى الإدارة الأميركيّة جواب عن هذا السؤال الذي لا يهمّ السعودية فحسب، بل كلّ دولة من دول الخليج العربي أيضا. ما هو ثابت انّ هناك استخفافا اميركيا باهمّية ما يدور في اليمن، خصوصا بالنسبة إلى المملكة العربيّة السعوديّة في وقت تريد المملكة فعلا الإنتهاء من هذه الحرب ذات الطبيعة الدفاعيّة اصلا.

على الرغم من التغيير النوعي الذي طرأ على الوضع الداخلي اليمني مع التخلّص من عبد ربّه منصور هادي، يبقى الخوف الكبير في اليمن من المشروع الإيراني. يعود ذلك إلى ان “الجمهوريّة الإسلاميّة” غير مهتمّة على الإطلاق بما يحلّ باليمنيين بمقدار ما انّها تعتبر بلدهم ورقة في المفاوضات الهادفة إلى عقد صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي. منطلق هذه الصفقة البرنامج النووي الإيراني الذي تعتبره ايران مدخلا لرفع العقوبات الأميركيّة عنها.

هل تعي إدارة بايدن هذا الواقع الذي يُفترض ان يجعلها تسأل، أو اقلّه محاولة معرفة، ما الذي تريده ايران من اليمن وهل هناك اهتمام حوثي حقيقي بحلّ سياسي؟

يبدو مثل هذا النوع من الأسئلة اكثر من ضروري  في حال كانت الإدارة الأميركيّة تسعى إلى استيعاب الخطر الناجم عن تمديد الهدنة بشكل مستمر بما يسمح للحوثيين بإعادة بناء قوتهم العسكرية. في النهاية، لا وجود لهدنة من اجل الهدنة في وقت يستهدف الحوثيون من إعادة بناء قوتهم العسكرية ارتكاب مزيد من الإعتداءات في مناطق يمنيّة محددة، بما في ذلك تعز ومأرب. إذا كان من نصيحة إلى إدارة بايدن، فإنّ هذه النصيحة تتعلّق بالهدف الإيراني في اليمن. الهدف خلق امر واقع وتكريس وجود كيان سياسي تابع لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في شبه الجزيرة العربيّة. هل تدرك إدارة بايدن ابعاد هذا الخطر على كلّ دولة خليجية وعلى الاستقرار في احدى المناطق الحيوية في العالم؟

The post الهدنة اليمنيّة ضرورة حوثيّة! appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات