الماء هو الحياة طبقا لقوله تعالى “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ” وقد يصبح عكس ذلك إن تواصل التبذير والإسراف في استهلاكه ومنه يتحول إلي أزمة عالمية خانقة قد تكون سببا في نشوب حروب, فقد بدأ الأمن في التآكل من الأمن الغذائي المتمثل في المجاعة التي تحصد وما تزال تحصد الأرواح, إلي الأمن الصحي والوباء الذي نتجت عنه خسائر فادحة مادية ومعنوية وبشرية, الي الأمن المائي الذي سيتحول إلي صراع ربما يكون حربا قادمة لضمان الاستقرار للدول المحيطة بالأنهار, لأن الأمن المائي سيكون من أهم أولويات الدول مستقبلا, وقد يصبح الصراع على تأمينه من الأساسيات المكملة للوضع الحالي وما يتخلله من توتر.
وقد أطل علينا النزاع المصري الإثيوبي حول سد النهضة كمؤشر سلبي, وقد ظهرت بوادر نزاعه سنة 2006 عندما حذر الرئيس المصري السابق حسني مبارك رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي من حجز مياه النيل عن مصر, مؤكدا أن المشروع سيحدث أزمة كبيرة وهدد بتدخل عسكري. لكن الرئيس الإثيوبي أعلن في 2010 أنه ليس من حق مصر منع إثيوبيا من إقامة سدود على نهر النيل وأن مصر لا يمكن لها أن تنتصر في حرب ضد إثيوبيا.
في شهر ماي 2010 وقبل ثورة 25 يناير بـ6 أشهر قامت 5 دول بالتوقيع على اتفاق مائي جديد أطلق عليه مبادرة “عنتيبي”، حيث رفضها الرئيس المصري الأسبق وقام بتشكيل لجنة طارئة لمتابعة الأمر. وفي 2011 وضعت إثيوبيا حجر الأساس للسد، واتفقت مع مصر على تشكيل لجنة ثلاثية لبحث دراسات متعلقة بالسد وإرسال فريق فني من مصر وإثيوبيا والسودان، لبحث التأثيرات المحتملة للسد على مصر والسودان.
بعد رحيل الرئيس حسني مبارك، عقدت اللجان المشتركة في 2012 ثلاثة اجتماعات, خلصت في النهاية أن بناء السد سيؤثر سلبا على مصر، وصرح الرئيس الراحل محمد مرسي آنذاك إن مصر لا تريد خلافا مع إثيوبيا لكن كل الخيارات تبقى مطروحة.
في سنة 2014 استأنف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين، عمل اللجنة الثلاثية حول السد وإجراء الدراسات، حيث اتفق الجانبان على تنفيذ توصيات لجنة “خبراء دولية” أجرت دراسات حول السد.
في 2018 فشل اجتماع جديد في الخرطوم عقد بمشاركة وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات بالدول الثلاث، كما أعلن عن فشل اجتماع ثلاثي آخر في إثيوبيا في العام ذاته.
و في إطار الدبلوماسية استأنفت مصر واثيوبيا المفاوضات على مستوى وزاري في الخرطوم، قبل أن تعلن مصر أن الأمور وصلت إلى “طريق مسدود” وقد أكد الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه النيل.
وبما أن المنطقة مشتعلة وتشهد حالة عدم استقرار وحربا طائفية وظلامية, يسعى أعداء الأمة لإدخالها في حرب المياه التي تعتبر فتيلا قابلا للاشتعال في المنطقة.
وتتوالى التقارير عن كبريات المؤسسات والمنظمات الدولية التي تهتم بملف المياه، هذا العنصر الذي أصبح هاجسا مقلقا ومخيفا و يكون أزمة حقيقية في عالمنا المعاصر, له إبعاد تبدو خطيرة و تنبئ بحرب من أجل البقاء وقد أجتهد الكثير من كتاب المقالات في ابتداع مصطلح جديد تحت إسم ” حرب المياه” التي ستكون حسب كثير من التقارير بالشرق الأوسط
وقد صدر تقرير عن الخرائط الصادرة عن الأقمار الصناعية (استعادة الجاذبية وتجربة المناخ للناسا (NASA) سنة 1915 أن أجزاءا كبيرة من منطقة الشرق الأوسط القاحلة فقدت احتياطات المياه العذبة بسرعة كبيرة, ففي 7 سنوات خسرت تركيا وسوريا والعراق وإيران، التي تتقاسم حوض نهري دجلة والفرات، 144 كلم مكعب من مجموع المياه العذبة المخزنة، 60 بالمائة منها ناتجة عن ضخ المياه من الخزانات الجوفية, خسارة تساوي لوحدها كمية المياه في البحر الميت.
المعلومات التي سجّلت تضع دجلة والفرات في الخانة الثانية من معدل خسارة مخزون المياه الجوفية على الأرض بعد الهند، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على المياه العذبة بقوة، علما أن دول المنطقة تفتقر إلى التنسيق والتعاون في إدارة مياهها, كما أن كمية المياه التي تبخّرت في السنوات القليلة الماضية كانت كافية لتلبي حاجة أكثر من 100 مليون فرد كل عام.
وفي تقرير سابق صادر عن الأمم المتحدة قبل سنوات يؤكد أن 47 بالمائة من سكان العالم سيعيشون في مناطق خاضعة للإجهاد المائي عام 2030، وسيكون لندرة المياه في بعض المناطق القاحلة آثارا كبيرة على الهجرة, وقد تنبأ التقرير أن ينزح ما بين 24 و 700 مليون نسمة بسبب ذلك. للعلم أنه حالياً 80% من أمراض البلدان النامية تعود أسبابها إلى المياه، وقد نتج عن ذلك 3 ملايين وفاة مبكرة, و 5000 طفل يموت يومياً بسبب الإسهال.
قد تصبح ندرة المياه سببا في خلق أجواء مشحونة بالقلق والتوترات وقد بدأت بالفعل بالتوسع حول الأنهار والأحواض , وقد سجلت في إيران أزمة عطش تحولت الي ثورة, كما أن 100 مدينة وضعت بالخانة الحمراء, وأن عجزا يقدر ب 20 بالمائة من احتياجات المياه الصالحة للشرب سجل بها, إذا فسلاح المياه هو الهدف الإستراتيجي الذي يلوح في منطقة الشرق الأوسط.
قد يصبح الماء أغلى من البترول وبما أنه من النعم التي أنعم الله بها على البشرية, كما أنه الحياة وسبب بقائها لذلك وجبت المحافظة عليه ومن الواجب عدم الإسراف في استهلاكه وعدم تبذيره.