يواجه أطفال التوحد تحديات يومية تعيق اندماجهم في المجتمع، بدءًا من صعوبة التواصل وصولًا إلى فرط الحركة والتأخر في اكتساب المهارات الأساسية. هذه المعاناة لا تقتصر عليهم فقط، بل تمتد إلى أسرهم والمربيات اللواتي يعملن جاهدات لمساعدتهم على تجاوز العقبات وتحقيق التقدم في بيئة تعليمية غالبًا ما تفتقر إلى الموارد الكافية. في ظل غياب بيئات مهيأة خصيصًا لهم، يعاني العديد من هؤلاء الأطفال من العزلة الاجتماعية وسوء الفهم من قبل المجتمع، ما يزيد من صعوبة حياتهم اليومية.
في مركز “التوحد من أجل التوحد”، نجد قصصًا إنسانية مؤثرة تجسد هذه المعاناة، من بينها قصة إسلام وعبد البار، وهما طفلان يواجهان تحديات مختلفة ولكن يجمعهما الأمل في إيجاد مساحة آمنة تعينهما على تطوير مهاراتهما والتفاعل مع الآخرين. يعاني عبد البار من اضطرابات في التواصل تجعله غير قادر على التعبير عن رغباته بسهولة، بينما يواجه إسلام فرط الحركة وصعوبات في التركيز، مما يعيق قدرته على متابعة الجلسات العلاجية بانتظام. رغم هذه العقبات، فإن الإرادة القوية للطفلين والدعم المتواصل من المربيات يجعلان كل خطوة صغيرة نحو التحسن إنجازًا يستحق التقدير.
المربيات في هذا المجال يحملن على عاتقهن مسؤولية كبيرة، فهن لا يقتصر دورهن على تعليم الأطفال فحسب، بل يعملن على تأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا، وهو تحدٍ يتطلب صبرًا طويلًا وتفانيًا لا حدود له. تقول إحدى المربيات في المركز: “كل ابتسامة نراها على وجه أحد الأطفال هي إنجاز بحد ذاته. نحن لا نبحث عن نتائج فورية، بل نسعى إلى بناء مستقبل أفضل لهم، خطوة بخطوة”. ورغم جهودهن الكبيرة، فإنهن يواجهن عقبات كثيرة، من بينها نقص التدريب المتخصص، وضعف الموارد، وضغط العمل المستمر.
إن نقص الإمكانيات داخل المراكز المتخصصة يجعل من الصعب تقديم الرعاية المثلى للأطفال، فالكثير من هذه المراكز تعاني من نقص الكوادر المتخصصة، إضافة إلى غياب التمويل الكافي لتوفير مساحات خضراء للعب وتقنيات وأدوات حديثة تساعد في تحسين بيئة التعلم والعلاج. وبسبب هذه النقائص، تجد الأسر نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: إما البحث عن مراكز خاصة باهظة الثمن، أو مواجهة تحدي رعاية الطفل داخل المنزل دون تأهيل كافٍ.
إلى جانب البرامج السلوكية مثل التحليل السلوكي التطبيقي (ABA)، أثبت العلاج بالقرآن فعاليته في تحقيق راحة نفسية للأطفال المصابين بالتوحد. الاستماع إلى تلاوة القرآن يساعدهم على التهدئة وتقليل نوبات التوتر، مما يساهم في تحسين استجابتهم للجلسات العلاجية والتعليمية. العديد من الأسر وجدت في القرآن وسيلة فعالة لتهدئة أطفالها، حيث يساعدهم الإيقاع الهادئ لكلماته على التركيز والشعور بالأمان.
وفي ظل هذه التحديات، يبقى تدخل الدولة ضرورة ملحة لإنشاء مدارس متخصصة توفر بيئة مناسبة لأطفال التوحد، إلى جانب دعم المربيات من خلال تقديم برامج تدريبية وتحفيزية تضمن جودة الرعاية المقدمة. فالتوحد ليس عائقًا أمام التطور، بل هو طريق يحتاج إلى الرعاية والتوجيه المناسب، وإذا لم تتدخل الجهات المعنية لدعم هذه الفئة، سيظل أطفال التوحد وأسرهم يواجهون معاناة مضاعفة بلا حلول حقيقية.
قال تعالى: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا“ (المائدة: 32)، فدعم أطفال التوحد هو إحياء لأملهم في حياة كريمة ومستقبل أكثر إشراقًا. اليوم العالمي للتوحد ليس مجرد ذكرى سنوية، بل هو دعوة ملحّة لاتخاذ خطوات جادة نحو توفير بيئة داعمة تمكّن هؤلاء الأطفال من العيش بكرامة وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.