الأم هي القلب النابض للأسرة وعمودها الفقري ومصدر الإلهام والقوة التي تشكل شخصية الأبناء بتضحياتها اللامتناهية وحبها غير المشروط وعطائها اللا محدود.
مناسبة عيد الأم فرصة لتعبير الأبناء عن تكريمهم لحبها اللا محدود من خلال الاحتفاء بها وجلب الهدايا عرفاناً بدورها.
والأمهات ممن لديهن أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من أكثر الشخصيات إلهاماً وقوة في المجتمع، فهن يواجهن تحديات يومية لا يمكن تصورها من أجل توفير الرعاية والدعم لطفلها، حيث تتطلب هذه المهمة قدراً كبيراً من الصبر والقوة والتفاني.
لأكثر من أربع سنوات، عاشت سلوى علي، مع صغيرها محمد المصاب بمتلازمة داون، رحلة مليئة بالتحديات والصعاب المليئة بالأمل والحب، رغم كل شيء، إلا انها سعيدة بتميز ابنها.
تقول سلوى، في حديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن “رحلة أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة تختلف عن رحلة أي أم أخرى، تبدأ بالصدمة عند اكتشافها الأمر، ثم تتأرجح مشاعرها بين مراحل نفسية مختلفة حتى تصل إلى التقبل والتصالح مع النفس والوضع، ثم تسأل نفسها، كيف يمكن حماية ابني؟
وتضيف، “كنت اعتقد في بادئ الامر، أن لمتلازمة داون علاجا، خاصة بعد كل مرة أرى فيها نوعاً من الشفقة أو السخرية بحق ابني محمد، لكني قرأت كثيراً، وبدأت بطرق وأسئلة أقدمها لنفسي، ماذا أتوقع من صغيري سوى الابتسامة؟، لكني تفاجأت، إذ إن محمد علمني الكثير، أولها أن أكون أماً”.
مرحلة المقارنات الخطرة
لا تُحمّل الأطفال فوق طاقتهم، تقول سلوى، ولا تطلب ولا تتوقع الكثير منهم، إنهم يحبون الآخرين، ولا يريدون شيئاً سوى الحماية، وتبين أن “الأقارب لا يملكون الكثير من المعلومات، فمن الضروري جداً أن لا تشعر الأم بالخجل وهي تطلب رعاية ابنها، والتعامل معه بطريقة معينة”.
وتتابع، “في البدء، كنت أشعر بالحرج من أن أقول لهم إنه لا يحب المزاح، حتى عاد الأمر بشكل سيئ للغاية عليه وعليّ، صار يبكي لساعات، حتى حينما أقترب منه لحمله أو احتضانه، لكن اليوم، وكلما أراد أحدهم حمله أو المزاح معه أطلب منه الابتعاد”.
تقول ميساء سالم أم الطفلة ديما المصابة بالتوحد: “لا بد وأن تمر أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة بمرحلة المقارنة؛ فقد نقارن أطفالنا لا شعوريًا، ولكن طالما أن هذه المقارنة ليست محطمة للطفل فلا بأس! حسناً؛ ما هي المقارنة المحطمة؟ هي المقارنة التي بعدها تشعر الأم بالإحباط”.
وتضيف سالم: أن ابنتها ديما، البالغة من العمر خمس سنوات، مصابة بالتوحد، جعلتها وعلى مدار سنوات لا تعلم كيف تعاملها، وتقول: “تنهار ابنتي بالبكاء، وأنهار معها، لا أحد يعلم حجم معاناتي وأنا أرى أن ابنتي غير قادرة على الاختلاط بالأطفال أو اللعب بشكل طبيعي، وأتساءل، لماذا أنها غير قادرة على أن تكون سعيدة مثل بقية الأطفال؟”
على مدار سنوات، بدأت ميساء مع زوجها، علاجاً سلوكياً لابنتهما، هنالك تحسن كبير، توضحه بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع) بإيمانها المطلق بابنتها وبقدرتها على رعايتها.
تواصل حديثها: “من خلال احتوائها وتقبلها وبناء ثقتها بنفسها. بأبسط الامور، كأن تكون تحركت من مكان آخر، أصفق لها، وأجعلها تشعر بالثناء، بالطبع مررت بلحظات تمنيت فيها الموت، خاصة حينما تسوء حالتها الصحية، وتبدأ بالتوقف عن تناول الطعام”.
الأقارب يعودون غالباً باللوم على الأم، لم لا تعتنين بها؟ لم لا تجدين طبيباً يعالجها؟ ألا ترين أن من الأفضل الاستمرار على منحها العلاج؟، أسئلة كثيرة تستقبلها ميساء، وتقول: “يحاولون دائماً لومي ومنحي شعوراً بأني ام سيئة، وكأنهم يعلمون بوضع ابنتي أكثر مني، بالإضافة إلى أن بعضهم أحيانا يتهمني بإصراري على بقاء ابنتي مصابة بالتوحد، كيف أقنعهم بأن لا علاج للتوحد؟ تتساءل ميساء.
الرعاية والحب لذوي الاحتياجات الخاصة
“ابنك مصاب بالشلل الدماغي التشنجي”، هكذا قال الطبيب لنور سعيد، عند زيارتها له مع ابنها البكر، حزنت كثيراً، ولكنها كانت متحمسة لرحلة الرعاية معه.
تقول نور، في حديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنها وزوجها حاولا كثيراً إيجاد حل لابنهما، لكنه سيعيش هكذا، بعد محاولات عديدة جاءت بنتائج خطرة عليه، تأكدت نور، أنها لا تريد سوى الاحتفاظ بابنها.
تضيف: “أكثر ما جرحني، حينما قالت لي إحدى قريباتي، مسكينة، سيتوقف مستقبلك، وستضطرين لترك عملك من أجله، كررت هذه الجملة بتأييد من آخرين ينظرون إلى حركات ابني ويتساءلون: متأكدة أنه ليس مجنوناً؟”
تبين نور، أن دورها كأم من أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة؛ أن تخبر الآخرين عمّا يفضله ابنها وما يجيده، ومن الضروري ألا تزيد الأم من الأعباء التي تقع عليها، أو على ابنها؛ لأن النتائج دائما ما تكون عكسية، كما أنه ليس من الضروري محاولة جذب أمهات الأطفال النمطيين وتوسلهم اللعب مع أبنائهن.
عالم طفل الاحتياجات الخاصة
تبين الدكتورة في علم النفس التربوي، ميادة أحمد، أن الام هي العالم الأول للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومصدر ثقته بنفسه وشعوره بالتقبل، لكن الكثير من الأمهات العراقيات، يتعرضن للكثير من الضغط وذلك لمحاولاتهن تربية أولادهن لوحدهن دون دعم أو مساندة من أحد، حيث تكون مسؤولياتها مضاعفة.
وتقول ميادة: “على الرغم من عبء المسؤولية التي تتحملها الأم لكن لا تثقلها سوى سخرية وتنمّر المجتمع، من الضروري أن يقف الجميع مع أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بدلاً من اتباع أسلوب سلبي تجاههن، ذلك أن الحديث واللوم، من الممكن أن يدخل الأم في نوبات اكتئاب حادة، تجعلها غير قادرة على الاستمرار برعاية ابنها.
وتابعت، أن “اللوم المستمر، يجعل الأمهات يشعرن بأن أمومتهن مجروحة وينتابهن الحزن، لكن في المقابل فإن الكثير من الأطفال المختلفين تجدهم مميزين وموهوبين وحققوا إنجازات لم يستطع الطفل السليم تحقيقها، كما أن المرأة من الممكن حقاً أن تكمل عملها، وتفوقها في حياتها، لو تدخل الأب أو الأقارب لمساعدتها نفسياً وجسدياً، لكنهم يريدون منها أن تكون البطل الخارق لوحدها، وهي كذلك”.