الانسان الأسطورة
Spread the love

بقلم: العميد المتقاغد خليل إسبر وهبه

من كتابه حكاية الأرض والإنسان

في ضمير الغيب صراع مع الأزل

,تفاعلت فيه عبقرية الآلهة التائهة في المدى الأرحب

.وثارت ثائرة الملائكة

,وحدثت ضجّة ورعود في الفردوس اللامتناهي

.وتلبّدت الغيوم

.وحبل الفكر

.فكان الانسان الأسطورة

وكنت أحب الخلق عنده

,يغمرك بحنانه

,يعطيك من ذاته ذاتاً خالدة

.ومن فكره وروحه فكراً وروحاً أزليين

.كنت ابنه البكر المدلّل، فحسدتك الملائكة 

.وَحاولت أن توقع بينك وبينه

.فتطاولت عليه

.وتبرّمَ العلي وضاق صدره

وندم لخلقه إياك

.ولإعطائه من ذاته أنت

:وفكّر في خلوة بعيدة وقال

.”هذا هو ابني البكر الذي أحببت

.”وبه سررت

وبي يحيا إلى الأبد

وريثي الوحيد

.وذاتي الداعية لي أينما حلّ ورحل

,به قُرّت عيناي وارتاح ضميري إلى ما أتيت من جليل الأعمال

.وبه خاتمة الابداع

.ومنه أخاف أن يزاحمني على الاستئثار بمملكتي

.لن أضحّي به رخيصاً كغيره من المخلوقات

لن أنتزع منه طموحه وتوقه إلى الابداع

,سيكون ذاتي المتجولة فوق سائر الكواكب

,يحمل رسالتي إلى الأجواء الكونية

.رسالة الخلق والسلام

,سيكون سفيري إلى الأرض الطيبة

,حازماً متمرساً يقارع ولا يلين

,يبحث ولا يستقر

,بحّاثة، يضرب في مجاهل الفضاء الأرحب

يبحث عن ذاته دونما ارتواء

,تائهاً لا يدرك السعادة الهاربة

يغالب اليأس فيغلب على أمره حيناً

.وحيناً ينتصر

,تواقاً إلى سبر الأغوار وإدراك المجهول

لا يغمض له جفن

.ولا تقر له عين

,يتوالد ويحيا، وبعد حين يموت ليولد من جديد في عالم جديد

,هو عالم الأزل حيث تشبع ذاته من البحث

.وترتاح روحه إلى الأبد

.ما الزمان والمكان بالنسبة إليه إلاّ إغماضة جفن

.عمر الزمان قصير وقصير جدّاً

.خلقت له الأرض ليرتاح من عناء السفر في رحلة العمر

,ليخلد إلى السكينة والهدوء

.فينزع من ضميره وفكره حبَّ التسلّط والسيطرة

.لكنني سوف اتوق إليه

ما همّ ؟

.رحلة العمر هذه لن تطول

,سيعود أشدّ كمالاً

.يعارك الأرض وتعاركه

لا خوف عليه إن هو لان وتراجع،

وتناسى منطلقه الأول.

سوف يشد أبداً نحو العلاء،

نحو المجهول،

نحو إدراك ذاته ومقدرته

نحو الكمال الأكمل

والادراك الأسمى.

سوف يصل لأنه مثابر حزوم،

وعقل مبدع خلاّق

وفكرٌ لا متناهٍ

لا تحده حدود،

ولا تقف بوجهه عقبات او سدود.

إذا تقاعس فإلى حين!

سيعاود بعده الانطلاق في المدى الأرحب وهو أشد عزماً وأوطد إيماناً بذاته المنطلقة، وروحه السامية، برغم الطين الذي يشده إلى الأرض.

سينتصر!

وبانتصاره كسب جديد يضاف إلى مكاسبي العديدة”…

… وقذف به إلى الأرض الطيبة.

وربطه بالحنين إليه.

والشوق إلى مملكته الموحشة دونه.

فكنت أنت

وكان التاريخ …

وكان زلزال عنيف أقضّ مضجع الكمال الأكمل

فأحسّ بفراغٍ مقيت

وحاولت الملائكة أن تعيد الابتسامة إلى شفتيه

والأمان إلى فؤادِهِ القلق

والسلام إلى جنّته الوارفة الظلّ

فلم تفلح ..

… ومرت قرونٌ ودهورٌ

وضاعت ملايين السنين …

وهو هو يصارع الأرض بعناد وإيمان

لا يلين ولا هانت منه العزيمة

بل تمادى بالعناد والدأب المتواصل

وتناسى موطنه الأول

فطغت عليه الأرض.

ومرّت حقبة من عمر الزمن تقدر بآلاف السنين

غاص فيها بالجهل المطبق،

حتّى امّحت صورة الأزل،

وضاعت صورة الموطن الأول،

وأصابه دوار الأرض،

وتبدّلت المقاييس،

وانعكست المفاهيم،

وسيطر الطين الزائل على روحه الخالدة.

وأعمى الجهل ذاته الواعية،

وخاف من المجهول !

ففزع إلى التماثيل التي نحتتها يداه ليقدم لها الذبائح والقرابين وشعائر الولاء، حاسباً أنها الإله القدير.

صنع من الحجارة آلهة أقام لها المعابد والمحاريب ليسجد لها كلما أحسّ في نفسه توقاً إلى قوّة خارقة تقيه شرّ عاديات الزمن.

عبد العواصف الهوجاء والمطر الذي يهطل بغزارة.

وقدّس الحيوانات وما زال يقدسها حتّى هذا الزمن في بعض بقاع الأرض.

سجد للنيران التي اكتشفها في إحدى حقبات التاريخ.

والَّهَ الشخصية فعبدها وخافها.

فأصبح عبداً للأرض التي خافته يوم حلّ فيها ضيفاً عزيزاً.

وزعم أنه من سلالة القردة، ثمّ تحضَّر…

يا للسخافة !

يتحضّر هو ويبقى أجداده حيث هم.

واخجلتاه !

يقفون ويسير وينمو ويعي وجوده الأبدي وهم لا يدركون ؟

يوجهه العقل وتسيرهم الغريزة ؟

لكنه لا هذا ولا ذاك.

وإلاّ لما أعطي من فكْره وروحه ما لا يموت أبداً.

بل سيبقى كالمطلق …

يعيش في ضمير الكون.

الطين الذي كبّله حقبة من عمر الزمن تعد بملايين السنين

بدأ يتقلّص.

لتبرز ذاته الواعية من جديد،

وتدرك موطنها الأول،

وتشده إليه،

ليصل إليه مع الزمن.

عندئذ تخمد ثورته التي كلّفته غالياً

ويرتاح في جنان الكمال الأكمل.

تلك الجنان ليست كالأرض …

ولا كسائر الكواكب …

إنما هي فكرة تجوب المطلق

تستوعب الكون،

حيث لا زمان ولا مكان …

بل لا نهاية لها ولا حدود …

وأنتَ كذلك أيها الطين تعود مجرّد فكرة،

مجرّد خاطرة

في ضمير الغيب،

تسبح في اللانهاية

في المطلق

في المدى الأرحب

فترتاح من أسفارك المضنية إلى الأبد،

وتبقى أثراً بعد عين،

وتاريخاً تتذكره الأرض الطيبة مرددة بحسرة وألم:

“من هنا مرّت أسطورة الأزل”.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات