العَلَم المغربي… حين يتحوّل الرمز إلى زينة، وتغدو النية الطيبة خطأً متكرّرًا
Spread the love

في عالمٍ تُقاس فيه هيبة الأمم بمدى احترام شعوبها لرموزها، يطفو سؤال قلّما يُطرح في المغرب: هل نُجيد رفع علمنا الوطني؟

وهل ندرك أن رفعه لا يكفي إن لم يُؤدَّ على النحو الذي يليق به، ويليق بما يُجسّده من دماء، وتاريخ، وسيادة؟

في كل مهرجان، مباراة رياضية، أو مناسبة وطنية، تغمرنا مشاهد الفرح: الجماهير تهتف، الفنانون يُكرَّمون، والأعلام تُرفَع. غير أن ما يغيب وسط التصفيق والزهو، هو أن بعض تلك الأعلام تُرفَع مقلوبة، أو تُلفّ حول الأجساد، أو تُطرَح على الأرض… فهل نُكرّم العلم فعلًا؟ أم نحيله من حيث لا ندري إلى قطعة قماش فقدت معناها؟

إهداء العلم… شرفٌ لا يُؤدى بعشوائية

أن يُقدَّم العَلم المغربي لفنانٍ ضيف أو يُرفَع على خشبة مسرح عالمي، هو فعل رمزي نبيل يُعبّر عن المحبة والاعتزاز. لكن هذه اللحظة كي لا تفقد دلالتها، يجب أن تُحاط بطقوس واضحة وتوجيه صريح:

“هذا هو وجه العَلم… هذه رمزيته… وهذه هي الطريقة الصحيحة لحمله.”

ما يحدث غالبًا، أن الفنان بدافع الحماس  يرفعه مقلوبًا، فتتدلى النجمة الخضراء نحو الأسفل، وتضيع الرسالة. والأدهى، أن الجمهور يصفّق، والمنظمون يصمتون… وكأن لا خطأ وقع.

إنه مشهد لا يُحرج الفنان فقط، بل يُهين الرمز ذاته. فكيف نغضّ الطرف عن هذا الخطأ، مرّة تلو أخرى، دون أي تصحيح أو حتى توجيه بسيط؟

العَلَم ليس زينة… ولا وشاحًا

في التقاليد العسكرية والأعراف الدبلوماسية، يُعامَل العَلم كرمز مقدّس لا يجوز ملامسته للأرض، ولا استخدامه كزينة، ولا عرضه في حالة مهترئة أو مقلوبة.

لكن في المغرب، نرصد ممارسات مناقضة:

  • يُلفّ حول الأعناق كوشاح في الحفلات.
  • يُغطّى به زجاج السيارات أو يُعلّق مقلوبًا على الجدران.
  • يُمسح به العرق في لحظة انفعال عاطفي.
  • يُعرض في إدارات عمومية بشكل باهت أو ممزق دون استبدال.

هذه ليست إساءات متعمّدة، بل نتيجة فراغ عميق في التثقيف الوطني، وسكوتٍ رسميٍّ مقلق، يُسهم في تطبيع الخطأ وتداوله دون وعي.

النية الطيبة لا تعفي من المسؤولية

حين نبرر هذه التصرفات بعبارات مثل “النية طيبة” أو “لم يقصدوا”، فإننا نُشرعن الجهل.

فالمواطن الذي يرفع العلم مقلوبًا، أو يستخدمه كزينة، ليس المخطئ الوحيد. المسؤولية تبدأ من المدرسة التي لم تُعلّمه، ومن الإعلام الذي لم يُوعّيه، ومن الدولة التي لم تُطلق يومًا حملة واحدة تُرشد الناس إلى التعامل اللائق مع رمز السيادة.

في دولٍ كبرى، يُربّى الأطفال منذ صغرهم على كيفية طيّ العَلم، ورفعه، وإنزاله.

في الولايات المتحدة، يُمنع أن يلمس العَلم الأرض.

وفي اليابان، تُخصَّص حصص مدرسية للتدريب العملي على رفع العَلم.

أما في المغرب، فالعَلم موجود في كل مكان… إلا في الوعي.

الجالية في الخارج… حُبّ كبير وسلوك عفوي

من أروع المشاهد ما تُقدّمه الجالية المغربية حول العالم من مشاعر فياضة.

في لحظات الفرح، يخرج العَلم من الجيوب والحقائب، يُرفرف من نوافذ السيارات… ولكن في لحظة العاطفة، تُنسى أحيانًا قواعد حمله وترتيبه.

نُقدّر حُبّهم، ونعتزّ بعفويتهم، لكن لا نعفي المسؤولين من تقصيرهم:

فمن لم يُعلّمهم، لا يحق له أن يلومهم.

من المسؤول؟… الكل، دون استثناء

  • الدولة: لأنها لم تُدرج ثقافة العَلم في مناهج التعليم.
  • المدرسة: لأنها لم تُنشئ التلميذ على رمزية السيادة.
  • الإعلام: لأنه تخلّى عن دوره التوعوي.
  • الجهات المنظمة: لأنها لم تُرشد المشاركين والفنانين.
  • المجتمع المدني: لأنه لم يطلق مبادرات لتصحيح هذا السلوك.

المسؤولية جماعية، ولا يحق لأحد أن يتنصّل منها.

آن أوان التغيير… لا للتطبيع مع الخطأ

نحن بحاجة إلى ما هو أبعد من مجرد ملاحظات عابرة أو استنكار موسمي.

نحن بحاجة إلى حملة وطنية شاملة، تحمل رسائل واضحة وشعارات قوية، مثل:

  • “ارفع عَلَمك… كما ترفع رأسك”
  • “العَلَم رمز… ماشي زينة”
  • “حب الوطن يبدأ من احترام رموزه”

حملة تُبث في الإعلام، تُدرّس في المدارس، وتُطبّق بدقة في الملاعب والمهرجانات والإدارات والمؤسسات.

حين نرفع العَلم… نرفع أنفسنا

رفع العَلم ليس مجرد حركة احتفالية، بل فعل وطنيّ، يختزل تاريخ شعب وكرامة وطن.

وإذا كنا نرفعه بلا وعي، ونلوّح به بلا إدراك، فإننا نحمل الرمز… ونتخلى عن معناه.

فلنرفعه برأسٍ مرفوع، وبقلبٍ مؤمن، وبيدٍ تعرف ما تحمله.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات