الهوس الفكري عنجهية فائضة, تتبعها صراعات وإحتدامات نفسية تُسول لصاحبها أنه قوة خارقة وذكاء فريد من نوعه, وبالتالي تجعله يعيش المتناقضات بجميع أبعادها الخارجة عن الواقع والمعقول, وكذا التوازنات المتأرجحة بين الخطأ والصواب, فتجعله عرضة لإصابته بالثقة الزائدة بالنفس عن اللزوم, والخوض في مواضيع مهمة دون تمحيص وموازنة وسرعة في اتخاذ القرار, ومن مصائب هذا الهوس يجعل صاحبه يتتبع عثرات وخصوصيات الأخرين, زيادة على ذلك يعتبر الهوس الفكري ركون لوساوس مرضية تجعل صاحبه يعيش في آن واحد, أمران متناقضان قمة السعادة و إحباطا واسع المضمار ناتج عن تعليقات الناس.
إن صاحب الهوس الفكري مبالغ في التفكير المفرط, وهذه دوامة مرضية تدخل صاحبها ضبابية تجعله واجما أمامها, متخبطا في كثافتها, سجين طقوسها المتنطعة بين الكثافة و الإنقشاع, ومن هذا الباب يدخل عالم الضياع, فيصبح حبيس التفكير الحاد فليس له في كل الحالات سوى ضياعه وضياع من حوله, كما أن الهوس متعدد الصفات, فهناك الهوس الأدبي والفكري, والهوس الجنسي, وهوس الزعامة والعظمة و هوس الخيال الخارج عن السيطرة, وهوس الأحلام الدنيوية المادية.
إن صاحب هذا المرض النفسي تجده بعيد عن الواقع المعاش, مهمل لعائلته شارد الذهن يعيش أساطير الماضي والحاضر, حبيس نفسه وأنفاسه, تجده هائما مع تصورات دنكشوتية, كبطل رواية ” دون كيشوت” للكاتب الإسباني ميغيل دي ثيربانتش سابيدرا, الذي يحول الحقيقة إلى وهم يعيش صراعاتها بحذافيرها, كما يجعل من نفسه فارسا لا يشق له غبار يحارب بسيفه البتار طواحين الهواء, هذا البطل الذي كان مولعا بـ المطالعة وقراءة الكتب, التي تدور قصصها حول الفروسية والبطولات الخارقة, عندها يتقمص شخصيات هذه القصص الخيالية وكأنها حقيقة, ومن هنا يحتدم الصراع النفسي ليزاد تأصلا وتتطور مخاطره, ويصبح حقيقة تُعاش كمتعة وعظمة بينها وبين الحقيقة جلسات علاج نفسية.
الهوس الفكري باعتباره وهم خطير, يعتبر عطب حسي يشوه الحقيقة ويجعل المصاب يعيش متعة إدمان دائم, ولكنها في نفس الوقت تبعده عن محيطه والمجتمع, فلا يسمع سوى أصوات دواخله المتنازعة بين تقدم وإدبار لمقاييس فلسفية موهنة لا قواعد لها, وتسلق المستحيلات الدائم, كمثل من يريد تسلق عمود أملس فلا إسطاع ولا إستطاع, إنها حقيقة مؤلمة يقع فيها الكثير, ولكن القليل من يعرف أنه مرض نفسي يبعد صاحبه عن واقعه وأهله, وبالتالي فهو في ضياع مستمر, لا فائدة ترجى من أشواطه المقطوعة.
ومن المخاطر التي يجب أن يدق لها ناقوس الخطر, العوالم الإفتراضية التي يعيشها الأشخاص من مختلف الأعمار على مدار الساعة مع هواتفهم الخلوية, وبالتالي تنقطع خيوط التواصل بين أفراد العائلة, رب الأسرة في عالمه المفضل, والأم التي تعتبر مدرسة في عالمها المختار, والأولاد في عوالمهم دون رقابة, ومن ها يبدأ مرض التشتت العائلي ليصبح عادة, ليضيع الحوار الذي يعتبر مقود هذا الكيان المهم نحو بر الأمان, لقد أصبحت الأنترنت سلاح ذو حدين, كما أن وسائل التواصل الإجتماعي باتت تشكل خطرا على أبنائنا وبناتنا, لما فيها من غزو ثقافي غربي ممنهج موجه لضرب أسس أمتنا الإسلامية.