قبل ستة عشر عاما صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 1701 الذي أوقف القتال بين إسرائيل و»حزب الله» في ما عرف بحرب صيف العام 2006.
في السنة 2022، يتبيّن أنّ ايران أخذت، عبر «حزب الله»، كل ما تريده من القرار واستطاعت افراغه من مضمونه بعد تفكيكه بندا بندا. استخدمت «الجمهوريّة الإسلاميّة» القرار ولعبت على الوقت من أجل احكام سيطرتها على لبنان وتفكيكه، بمؤسساته، على مراحل.
ثمّة سنوات مفصلية تستأهل التوقف عندها على الصعيدين العالمي والإقليمي. من بين هذه السنوات، على سبيل المثال وليس الحصر، كانت السنة 1979. في تلك السنة، انتصرت «الثورة الإسلاميّة» في ايران. غيّر ذلك الإنتصار الشرق الأوسط والخليج. ما لبثت «الجمهوريّة الإسلاميّة» أن حوّلت ايران، مع سقوط الشاه، إلى مشروع تحدّ لدول المنطقة كلها.
إعتمدت في هذا التحدي على استخدام الدين والغرائز في مزايدات ذات نتائج مخيفة في مجال نشر التطرف شيعيّا وسنّيا أيضا. كان افضل تعبير عن ذلك احداث الحرم المكي في المملكة العربيّة السعوديّة التي كان بطلها الإرهابي جهيمان العتيبي. ترافقت احداث الحرم المكّي مع احداث أخرى في المنطقة الشرقيّة من المملكة ارتدت طابعا مذهبيا. لم يحدث شيء بالصدفة. دخلت المملكة بعد كلّ ما تعرّضت له في خريف 1979 مرحلة الإنطواء على الذات وسقطت في الوقت ذاته في لعبة المزايدات الإيرانيّة في المجال الديني…
وضعت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة بين 1980 و 1988 حدّا، وإن نسبيا، للهجمة الإيرانية على المنطقة، إلى ان حلت سنة مفصلية أخرى في العام 2003 عندما اتخذت إدارة بوش الإبن قرارها بغزو العراق من دون أخذ في الإعتبار للنتائج التي ستترتب على تسليم بلد مثل هذا البلد المهمّ على صحن من فضّة إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة».
منذ ربيع العام 2003، بدأت انطلاقة جديدة أشدّ شراسة للمشروع التوسّعي الإيراني. لم يكن لبنان في أي وقت بعيدا عن هذه الشراسة التي شملت التخلّص من عقبة اسمها رفيق الحريري، بكل ما يرمز إليه لبنانيا وعربيا ودوليا، وما تلا ذلك من جرائم استهدفت شخصيات معيّنة وضعت نفسها في خدمة المشروع السيادي اللبناني.
قاوم اللبنانيون المشروع الإيراني الذي اطلّ برأسه في 14 شباط – فبراير 2005، لكنّهم لم يصمدوا أمام حرب صيف 2006 التي افتعلتها ايران مع إسرائيل والتي كانت نتيجتها الإنتصار الساحق الماحق الذي حقّقه «حزب الله» على لبنان واللبنانيين… وليس على إسرائيل طبعا. لم يكن نجاح ايران في تفكيك القرار 1701، وهو نجاح نشهد جانبا من فصوله اليوم، سوى تتويج لإنتصار ايران على لبنان وتفكيكه تمهيدا لوضعه تحت وصايتها بعد مقدمات مهدت لتلك لحرب صيف 2006. بين تلك المقدمات، كان توقيع وثيقة مار مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون قبل اشهر قليلة من حرب صيف 2006. لم يجد ميشال عون، وهو قائد سابق للجيش مشكلة في اطلاق عنصر من «حزب الله» النار على الضابط الطيار اللبناني سامر حنّا وقتله بسبب تحليقه في منطقة لبنانيّة معيّنة. كان الموقف الذي غطّى قتل الضابط سامر حنا بين امتحانات عدّة أخضع «حزب الله» ميشال عون لها قبل اتخاذه قرارا نهائيا بايصاله إلى موقع رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. كان ذلك في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016، أي بعد مرور عشر سنوات واشهر قليلة على حرب صيف 2006.
متى يتمعّن المواطن اللبناني العادي في بنود القرار 1701، يجد في القرار كلّ ما هو مطلوب من اجل تكريس وضع الجيش اللبناني يده على جنوب لبنان باسم الشرعيّة اللبنانيّة. في القرار دعوة إلى جعل منطقة عمليات القوة الدوليّة المعززة تحت السيطرة الكاملة للجيش للبناني الذي كان ممنوعا عليه العودة إلى جنوب لبنان منذ اخرج منه في العام 1976. كذلك، تضمن القرار إصرارا على رفض أي سلاح خارج اطار الشرعية اللبنانيّة. يؤكد ذلك اشارته إلى قرارين آخرين صادرين عن مجلس الأمن هما 1559 و 1680.
تضمن القرار 1701 في حيثياته كل المطلوب من أجل إعادة الحياة إلى لبنان وإلى جنوبه أيضا. بعد ستة عشر عاما على صدور القرار، يتبيّن أن ايران استطاعت أن تأخذ منه ما يناسبها ورمي الباقي في سلّة المهملات. أخذت منه وقف القتال في مرحلة كان «حزب الله» يتراجع أمام الجيش الإسرائيلي الذي واجه في بداية الحرب صعوبات كبيرة امام مقاتلي الحزب.
يختزل النجاح الإيراني في تفكيك القرار 1701 مأساة لبنان. مع تفكيك القرار، جرى تفكيك للبنان. كان العام 2006 عاما مفصليا على الصعيد اللبناني. في ذلك العام تأكّد أن قرار السلم والحرب في لبنان صار في يد «حزب الله»، أي في يد ايران. هذا ما يفسر إلى حدّ كبير تحوّل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مسألة بين ايران وإسرائيل قبل أي شيء آخر. إنّها مسألة تتجاوز لبنان وتتجاوز رهانات لبنانيّة سخيفة، من نوع أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة من طينة أخرى، يمكن أن يغيّر شيئا في ظل موازين القوى الداخليّة والإقليميّة القائمة. سمحت هذه الموازين لإيران بتفكيك لبنان قطعة قطعة، بعد تفكيكها للقرار 1701، من دون ان تجد من يسألها ما الذي تفعله في بلد يعاني من عزلة كاملة عربيّا ودوليا؟
The post بقلم خيرالله خيرالله – إيران فكّكت القرار 1701… ومعه فكّكت لبنان appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.