كلمة سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه راعي الأبرشية المارونية في أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا بمناسبة القداس في ذكرى 70 سنة لوفاة المثلث الرحمة البطريرك أنطون-بطرس عريضة
Spread the love

الرجاء المسيحي فضيلة تتخطى حدود الزمان والمكان وتنقل الانسان الى افاق جديد ملؤها الفرح المفقود والسلام المنشود في ابدية جمالها بحضور الله الخالق والمخلّص.  والسنةُ سنةُ يوبيل الرجاء، والمناسبة قداس وفاء لبطريرك كبير، حاضرٍ أبدًا في تاريخ الكنيسة المارونية وفي وجدانها كما في تاريخ لبنان ووجدانه

فلا أخالُ مناسبةَ لِقائِنا اليوم، حولَ مذبحِ الربّ، خارجةً عن هذه العناوين التي نستذكرُها معكم جميعا ومع أبناء بشري، وانتهز المناسبة لاوجه لهم كلمة شكر وخاصة لجمعية بشري وعلى رأسها السيد بيار سكّر لدعوتهم  لهذه المناسبة النبيلة. فالكبيرَ الذي نجتمعُ من أجله في هذا القدّاس كان كبيراً في إيمانه وخدمته الكنسية والمارونيّة، وكان كبيراً في مواقفه الوطنية واللبنانية، وكان كبيراً في عمل الرحمة ، ونحن نتأمّلُ في ثلاثٍ منها تماهت معه وهي: الصلاة والصَدقة والرجاء.

فالبطريرك عريضة هو أوّلاً رجل صلاة، والصلاةُ صلةُ بالله لم تنقطع يومًا بينه وبين خالقه، تمرّس بها صبيًا في بيته العائلي، في بشري، حاضنةِ الأرز وحارسةِ الوادي المقدّس، وكأنَّ بخورَ تلك الأديرةِ والمغاور، وترانيمَ النسّاكِ والمصلّين قد ملأت حياةَ الفتى أنطون وصارت جُزءًا من شخصيّته، وكبُرتْ معه، في وعيه ولا وعيِه، وجعلت منه رجلَ الله يصلّي ويتأمّلُ ويتّكلُ على عناية الله تعالى.

والبطريرك عريضة هو ثانيًا بطريرك الرحمة والمحبة المسيحية… وقد كان وراء هذه الميزةِ أكثرُ من عامل، منها العائليّ حيثُ أوتيَ له أن يكونَ في مُحيطٍ تعوّد العطاء، وبين أخوةٍ أسخياءَ وأوفياءَ لعطايا الله وقد أحسنوا المتاجرةَ بوزناتِ الربّ، ومنها العاملُ الشخصيُ حيث كان له ميلٌ بل حبٌّ وشغف بالعطاء، وهذه قِمّةُ التعاليم المسيحيّة: أن تتقاسمَ والمحتاجين خبزَك، وأن تُشركَهم بفرحِك فتدخلَ إلى عمقِ الفرحِ المسيحي، وإلى جوهر المحبّة.

وقد تميزت حياة  هذا البطريركِ العظيم بالعطاء ومحبة الفقراء، خصوصا عندما واجه مجتمعنا اللبناني حالات الفقر، والحاجةِ  والعوز في فترة الحربين العالميّتين  الاولى والثانية.

لقد واكب البطريركُ عريضة شعبَه كاهنًا، ثم أسقفًا على طرابلس منذ 1908 ثم بطريركًا منذ 1932 حتى انتقالِه إلى بيت الأبِ في أيار 1955. فكان أبا الفقراء، أطعمَ الجياعَ وأطلق المؤسّساتِ وكانت له المشاريعُ الإجتماعيةُ والتنمويّةُ التي تُفيدُ الفردَ وتخدُمُ الجماعة.

والبطريركُ عريضة هو ثالثًا بطريرك الرجاء. فمن يطّلعُ على إنجازاته يُدركُ أنّه مُخطِّطٌ وبانٍ ومؤسّس… ونذكر، على سبيل الإشارة ، أنه بنى جانبًا من صرح الديمان حيثُ أقام الكنيسةَ الرائعة التي تزدان بلوحاتِ الفنّان صليبا الدويهي، وأحيا الأراضيَ الزراعيّةَ الشاسعةَ في ذلك المحيطِ كما أسّسَ وكالةْ بطريركيّةً في مرسيليا لتكونَ الكنيسةُ المارونيّةُ إلى جانب أبنائها المنتشرين هناك.

ولعلّ الامتنانَ الأعمقَ الذي تكنُّه له الكنيسةُ المارونيّةُ ولبنان هو لمواقِفِه الوطنيّةِ الثابتةِ لانه بطريرك الاستقلال وقد ساهم في تحقيقِه بفعاليّةٍ من موقِعه بطريركًا، كما ساهم في تثبيت دعائمِ الكيان اللبناني، مستقلاً عن الغرب وعن الشرق، من خلالِ مواقفِه والمؤتمراتِ التي دعا إليها، وكانت بكركي – كما هي الآن وكلّ آن – شاهدةً للقرار الحرّ ومؤتَمَنةً على وديعةِ السيادةِ اللبنانيّة، وكأن السيادة جُزءُ من قانون إيماننا الماروني.

تحضرنا روحُ هذا البطريركِ العظيم، الذي أعطته بشري عاصمةُ المقدّمين، وقلعةُ الإيمان الأصيل، ومعها ولها نحتفل بهذا القداس الالهي ونتضرّعُ إلى الله كي يُعطيَ كنيستَنا أبرارًا وصدّيقين وقادةً على غرارِه وكي يباركَ الربّ جماعَتنا هنا في أوستراليا وفي الوطن الأم، بصلوات البطريرك أنطون عريضه، وغبطة ابينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، وكلِّ البطاركة، وهم رمزُ صمودِنا ووَحدَتِنا وعلاماتُ طريقِنا نحو المستقبل.

وفي الختام، نصلي اليوم لتكون مبادرة وقف الحرب في غزّة، وقف للارهاب، وقف للتدمير والقتل للشعب الفلسطيني المعذب، ولتكن مدخلاللسلام العادل والشامل في المنطقة، وخاصة في وطننا الحبيب لبنان،  بشفاعة العذراء مريم سيدة الوردية المقدسة وجميع القديسين . أمين

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات