خلال مأدبة الغذاء التي أقامها ريمي وهبه مدير مؤسسة OZ Arab Media يوم الاحد الواقع في 29 تشرين الاول على شرف النائب الكتائبي الدكتور سليم الصايغ تكريماً لقدومه الى استراليا، طرح المدعوون سلسلة أسئلة حول الاوضاع الراهنة في لبنان و أتى الرد من النائب الصايغ، المتحدث اللبق و المثقف، بروح وطنية لبنانية بحتة، دون تحيز سياسي او حزبي. تميز حديثه باسلوب راق، هو البارع في فن الكلام و لباقة الحديث، و المعرفة عنده تكتمل بالمحبة التي أظهرها لجميع الحاضرين. إنه سياسي قل نظيره، اسم على مسمى، سليم الفكر و صايغ الكلمة.
كان لي الفرصة ان أكون بين المدعوين لاطرح عليه موضوع مهمل و هو نزوح اهل الجنوب، فكان شاكراً لي لطرح هذه المشكلة الطارئة و التي لم يتناولها أحداً كما تبنى هذا الموضوع لطرحه و متابعته حين عودته الى لبنان.
فأتى المقال من وحي السؤال.
معاناة أهل الجنوب اللبناني المهمش!!!
من المخزي و المعيب جداً، خلال هذه الفترة العصيبة من الحرب الاسرائيلية الفلسطينية، أن لا تتناول المحطات التلفزيونية تشرد اهل الجنوب و أيضاً لم تلق الضوء على معاناتهم. كما أننا لم نجد أي اهتمام و متابعة من اي جهة أكانت سياسية، حزبية او دينية لوضع خطة طوارئ سريعة لمساعدة نازحي الجنوب الذين يعانون من وضع إنساني بغاية السوء وهم بأشد الحاجة إلى الإغاثة.
لذا ننادي بأعلى الصوت أين هم المسؤولون تجاه محنة أهل الجنوب؟ أين هم نواب الامة و خصوصًا نواب الجنوب بدءًا من رئيسهم؟ أين هي أموال صندوق الجنوب المخصصة لاهل الجنوب؟ لقد سرقتموها و مولتم انتخاباتكم كما سرقتم كل موارد الدولة و ودائع المودعين في المصارف.
أين هي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR المدافعة الرائدة في العالم عن حقوق الانسان و المعنية بمساعدة النازحين؟ و هي المنظمة الدولية المتواجدة على ارض لبنان لمساعدة اللاجئين السوريين ألم تدري بأن في لبنان يوجد نازحون لبنانيون و بأشد الحاجة للمساعدة؟ أين دور من يدعي انه مسؤول ليطالب الامم المتحدة بمساعدة شعبه؟
بعد إطلاق حركة حماس الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى” فجر السبت الواقع في السابع من تشرين الاول ٢٠٢٣، أعلن الجيش الاسرائيلي شن عملية “السيوف الحديدية ” و الحرب على قطاع غزة. كما راح يهدد لبنان لاعادته الى العصر الحجري في حال اندلعت جبهة الجنوب اللبناني.
لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي دفع ثمناً باهظاً، حجراً و بشراً، في القضية الفلسطينية و كالعادة لبنان يدفع دائماً ثمن حروب الآخرين على ارضه. لاسيما في استخدام أرض الجنوب لتنفيذ عمليات عسكرية و اطلاق الصواريخ بإتجاه اسرائيل مما يتسبب بزعزعة الاستقرار و الأمن في الجنوب و على كافة الاراضي اللبنانية.
لبنان المنهك و العاجز اقتصادياً، عوضاً ان يتجنب الحرب أدخلوه في أتون النار. بتنا نشهد كل يوم مواجهات بين حزب الله والقوات الاسرائيلية، و تصعيداً عسكرياً، غارات جوية، و قصفاً متبادلاً مستمراً بالصواريخ بشكل يومي. حتى باتت اصوات المدافع تصدح يوميا في اجواء الجنوب اللبناني، مما أدى لحالة من الذعر و الخوف والقلق لدى سكان الجنوب خصوصاً سكان القرى المحاذية للشريط الحدودي.
منذ اليوم الاول لهذه الحرب الضروس، باشر سكان المناطق الجنوبية الحدودية بمغادرة بيوتهم و قراهم جراء القصف الذي أعاد إلى ذاكرتهم تجربة الحرب المدمرة بين إسرائيل و«حزب الله» صيف 2006.
هؤلاء الذين ذاقوا الامرين و تلوعوا من اجتياح جيش العدو الإسرائيلي في اول عملية توغل كبيرة منذ قيام كيانه في العام 1948، واجهوا العمليات العسكرية الدموية بكامل أشكالها من الحرب و الاحتلال و الاجتياح و القصف والغارات الجوية الاسرائيلية. كما تهجروا، تشردوا، تشتتوا، وتركوا قراهم و أرضهم هم الذين لم يضمدوا حتى اليوم جراح حرب تموز ٢٠٠٦.
يوماً بعد يوم، جراء التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل في المنطقة الحدودية الجنوبية و هرباً من خطر الموت فرغت قرى الشريط الحدودي من سكانها باستثناء بعض الشبان بمهمة الحراسة و انقاذ المنازل في حال شب حريق ما.
هنا لن نتناول الشق السياسي و لا العسكري، نحن مع السلام ضد الحرب و الدمار، و إعطاء كل شعب حقه، و نرفض العنف و القتل، فالمشاهد الدموية و العنيفة التي ظهرت على الشاشات تدمي القلب و صادمة خصوصاً قتل الاطفال و الابرياء. بل سنتطرق الى الجانب الانساني للنازحين اللبنانيين من الجنوب اللبناني الذي تخطى عددهم المئة ألفاً والذين لمدة ٢٢ يوماً لم يتطرق أحداً للتكلم عن معاناتهم و لالقاء الضوء على تشردهم. لماذا هذا التجاهل؟ هل هو هروب من المسؤولية؟
عدد ضئيل جداً من الجنوبيين يملك منزلاً آخراً في منطقة اكثر أماناً فانتقل اليه، لكن فعلياً لا يوجد مكان آمن في حال أعلن لبنان دخوله رسمياً في الحرب. و عدد قليل جداً ممن لجأ إلى منازل أقاربهم إلا ان الاوضاع الاقتصادية حالياً مختلفة جداً عن الاوضاع المادية في تموز ٢٠٠٦ حين فتح اللبناني بيته و أوى الغريب، أما في حالنا هذه و قد بات اللبناني ليس بمقدوره المادي استضافة شخصاً و!احداً اضافة الى عائلته.
قلة قليلة جداً من الجنوبيين حتى لو كانت تملك المال لتستأجر منزلاً تبيت فيه الا انها لن تجد شقة شاغرة للايجار لان اللاجئ السوري سبقها و استأجر و استقر. أما القسم الاكبر من النازحين الجنوبيين لم يستطع الحصول على مأوى للإيواء غير المدارس الرسمية و هم ينامون حالياً على المقاعد الدراسية.
غادروا اراضيهم في موسم الحصاد اذ ان قسم كبير من اهل الجنوب من المزارعين يعتاشون من أرضهم. لم يستطيعوا جنى ما زرعوه من مواسم خصوصاً التبغ و التنباك و قطف الزيتون وغيره. فخسروا موسماً زرعوه، هربوا من الحرب و خسروا جنى رزقهم.
بيوتهم عرضة للدمار و بساتينهم عرضة للحريق، 40 ألف شجرة زيتون معمّرة أُحرِقت الى الآن. إذ يوماً بعد يوم يدمر منزل و يشتعل بستاناً. تركوا منازلهم، أرضهم و رزقهم و لا يدرون ان توقفت الحرب المدمرة، هل سيعودون إلى بيوتهم او يبكون على الاطلال؟
هل يستحق هذا الشعب الطيب و المكافح ان يعيش دائماً بدوامة الهروب و بدون استقرار؟ أن يتشرد من فترة الى اخرى هرباً من الموت؟ ما ذنبهم أهل الجنوب؟ لأنهم متجذرون بارض الجنوب المحاذية لاسرائيل؟
شعب كابد المشقات والمعاناة دهرا من الزمن، لعل الحرب تنتهي و يعم السلام، ليجد أهلنا في الجنوب الحبيب يوماً ما في الحياة فسحة وطن يستريحون إليها من دوامة الحرب. نختم بكلمات الأغنية الشهيرة”غابت شمس الحق” للمناضلة الكبيرة جوليا بطرس
منرفض نحنا نموت قولوا لهن رح نبقى
ارضك والبيوت والشعب ال عم يشقى
هو النا يا جنوب يا حبيبي يا جنوب