كثير من مجريات الأمور في جاليتنا العربية الاسترالية لم نعد نفهمها، ومنها ما لم نكن نفهمه من الأصل والفصل والأساس، والمسألة برمتها تتصل بأوجه الخلل والعطب التي ابهرتنا بسطوعها واتساعها في واقعنا الراهن، لتنبئ مرة بأن جهاز مناعتنا قد ضعف وأصابه الخنوع والاستسلام، ومرة أخرى تشير كما لو ان ثمة تواطؤ على ذكاء ابناء جاليتنا، يقبله هذا الاخير على مضض، او برحابة صدر، ربما لكثرة تعبه وإشغاله وضعفه أو انعدام مقاومته أو ربما لأن لديه قدراً فائقاً من الصبر والتحمل حتى الآن على الأقل، ولكن أنا كشخص من ابناء الجالية كمثل الكثيرين نبذل جهوداً مضنية على الدوام في محاولة الاستيعاب والفهم لكثير من الامور والأمثلة عل تراكم السلبيات والاخطاء التي لا تحصى، ولا تنحصر في مجال واحد..
كيف نفهم تجاهل المعنى الجوهري الذي يفرضه بعض الاشخاص من اصحاب الوجاهة ومحبي الأضواء ان يأتوا بهذه البدعة المزيفة الرخيصة والافكار اليائسة التي تضخ دماء مزيفة في شرايينه المتيبسة، علينا تسييد سيف الحق فوق رؤوس اصحاب الوجاهة و المصالح الشخصية دون استثناء، ووقف فاتورة النفاق والتزلف وهرولة من جعلوا النفاق علماً وفناً وصناعة واستثمار لتبوؤ المناصب والألقاب المزيفة، او لبلوغ منافع من كل نوع،.. وباختصار إقناع الناس بما هو غير مقنع.
يا ترى هل هذه المزعبلات من النوع الذي يمكن تجاهلها أو التقليل من اهمية الرد عليها..؟ وبأي كيفية نفهم هذه السابقة الغريبة، هل وصل الحال بجاليتنا الى هذه الدرجة من الضعف والاهتراء.!! اما هي فقط مجاملة وجبر خواطر فقط .كيف نفهم هذا العبث حين يطلب من فاقد الأهلية بأن يكون أهلاً للثقة، وكيف لشخص عادي يعطى لمسؤولين ورؤساء جمعيات ومشايخ ميداليات وشهادات تقدير ودبابيس تذكارية وأوسمة جاء بها محملا بنص طن من الميداليات والشهادات وهو تنقصه الكفاءة او اقل ما يقال عنه ليس معني بهكذا أمور ، يقلد على رقاب وصدور كبار الاشخاص من جاليتنا الأوسمة والميداليات والشهادات التقدير ليعزز و يؤسس ويكرس ثقافة النفاق ويعلي منطق التملق المفرط. بأي معنى نفهم عودة مسلسل المراوغات، وذات المعزوفات المملة، والكلام المكرر بمجاملات فارغة ومفرطة، لتكشف المستور، وبينت اننا لازلنا نعيش في بازار الكلام بكل نجومه.. الكلام الذي يحاصر المغرور في يومياته.. يضيع الوقت، وان يقبل بالشعارات والأوهام..!! كيف نفهم هذه الظاهرة، ان يتجرأ ضيفنا الزائر ، ومن الواضح انه يعاني من انتفاخ الذات وغيره كثر بأن يطلق على ابناء جاليتنا اهل الجود والكرم ويستخف بعقولنا ومن دون اي اعتبار ألقاباً من نوع «مفكر» او «داعية» او «سياسي» او «ناشط»، او «كاتب» او «فنان».. او «خبير»، وهي ألقاب يفترض ألا تطلق إلا على من أدركته حرفة التفقه، ومن حقق مساهمات وتراكمات من اعمال وانجازات ذات قيمة فعلية تخدم المجتمع.
كيف نفهم تصرّف البعض ممن يظهرون بمناسبة ومن دون مناسبة غيرة غير عادية، ويتقبلون الشهادات والميداليات مغموره بشعارات وعناوين التي قيلت من ضيفنا الصحفي الدكتور المهندس المحامي المناضل المجاهد المفدى المفّتى في اجتماعات وندوات ومؤتمرات لا تنتهي، ويوزع فيها الميداليات والشهادات التقديرية، كل ذلك من اجل ان يضع أياديه على مكمن الداء والتوصل للخميرة الزرقاء من الأدواء! كيف نفهم هذه القصص غير المألوفة التي بات الشارع في جاليتنا يزخر بها، والتي ان دلت على شيء فإنما تدل على تحولات خطيرة في قيم المجتمع، او على هشاشة اجتماعية غير مسبوقة، مما يفرض ويفترض ان يكون هناك نقاش عميق وجريء حولها، وكيف نفهم استمرارية سياسة نفي المشكلات من هذا النوع، او عدم الاعتراف بوجودها أصلاً.. او توجيه الإحساس العام بتهوين هذه المشكلات او نفيها، او اعادة صياغتها بما يخرجها بصورة مبدئية من باب المشاكل..!! ولماذا لا نفهم ولا نستوعب بان اسوأ وأخطر ما في المشهد برمته حين نتعامل مع مشاكلنا وكأننا روضنا على المشكلات وهذه الظاهرة الغريبة، وحين يظهر لنا من يروج بان القادم قد يكون اسوأ مما تقدم وعلينا ان نرضى بالقسمة والنصيب والقدر، الأسوأ والأخطر ان كل مشكلة، كل مصيبة تنسينا المشكلة والمصيبة التي سبقتها..!!
وكيف نفهم كل هذا السوء من بعض المثقفين ممن يفترض ان لهم دورًا طليعيًا في مجتمعنا الاغترابي الاسترالي فيما نراهم يستنسخون التقهقر، وكيف نفهم تصرف أدعياء الحكمة فيما هم يضربونها في الصميم، وكيف نفهم حقيقة من يتحدثون عن مبادئ وقيم وهم الذين تعودوا أن يخضعوا كلامهم ومواقفهم للبيع والشراء والمصالح حتى وإن حاولوا تغليفها بمعاني القيم والانتماء.!!
ذلك غيض من فيض مما يزخر به واقعنا مما هو غير مفهوم، واذا حاولنا ان نفهم، ان نربط بين اي من هذا الذي نريد ان نفهمه من وقائع، سنخلص الى اننا امام مناخ مثقل بالمعاني السلبية وبنمو انواع غريبة من الذوق ومن القيم ومن الضمير، هذا الضمير إن وجد نراه مثقلاً بالذنب والعجز، وكأننا أصبنا بانعدام الرؤية، بقلة الحيلة، بانعدام الحس والبصر والبصيرة، وكل ما يدعو أحيانا الى السخرية، وأحيانا الى الرثاء..!! وبات كما لو ان كل منا مشارك، مذنب، وضالع في الإثم..!!
السؤال.. هل يمكن أن نمتلك الجرأة ونجعل أمورنا مفهومة بعض الشيء أم أن العقول الموصدة قدرنا؟!!