03 October, 2024
Search
Close this search box.
العلامة الشهيد الشيخ العربي التبسي والفكر الثوري
Spread the love

الثورة الجزائرية ثورة شعب ثائر, كان لها صدى عالمي لتبنيها تبنيا كاملا من طرف الشعب الجزائري, الذي دعمها بكل الوسائل المادية والمعنوية وكان لها حضنا آمنا برغم الانتقامات البشعة المسلطة عليه من طرف المستعمر, من تقتيل وتعذيب وايقافات عشوائية غير قانونية, والزج بالأبرياء من سكان الأرياف والمدن في مراكز الإيقاف العملياتية الوقائية بدون محاكمات, وحرق المحاصيل الزراعية وإبادة المواشي, كل هذا من أجل عزل و فصل الثورة عن الشعب, زيادة على تعاطف شعوب العالم مع القضية الجزائرية, وهذا بحنكة دبلوماسييها, الذين كانوا ندا لنظرائهم المثقفين والمتخرجين من أكبر الجامعات العالمية أثناء المفاوضات, نظرا لإيمان مفجريها السياسيين والعسكريين, بقضيتهم الوطنية, والرسالة التي ألقيت على عاتقهم, بحيث تقبلوها وحملوها بثقلها, لأنهم آمنوا منذ الوهلة الأولى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, لذلك فجروها ثورة عارمة على أسس العقيدة الراسخة والمبادئ الثابتة التي لا تقبل الوسطية والحلول الجزئية, ولهذا كانت ثورة جامعة شاملة بالسلاح والقلم والنضال السياسي.

الفكر الثوري تعددت أساليبه أثناء الثورة التحريرية وتوحدت أفكاره, نجده في العمل الدعوي و في الشعر وفي الفن والمقالات وحتى الكتابات الحائطية التي كانت متنفس بعض النشطاء السياسيين, وخاصة أطفال الثورة¸الذين يكتبون عبارات تمجد جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني, وتفضح المستعمر وممارساته القمعية, وقد كان من بين هؤلاء القامات الأبطال الشهيد العلامة الشيخ العربي التبسي, أحد أعمدة الإصلاح في الجزائر وأمين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, الذي تبنى الفكر الثوري كأسلوب دعوي لاستنهاض الهمم والتعبئة والحث على الجهاد, وقد أفتى رحمه الله عقب اندلاع ثورة التحرير في الفاتح نوفمبر 1954، بأنّه “لا يجوز لأيّ مسلم بدون عذر أن يتخلف عن الجهاد”. وقال أيضا “يجب علينا أن نستعدَّ، وأن نكون رجالاً يتشرَّفون بحمل لقب الرجولة الكاملة، وأن نندفع لفتح المستقبل فتحاً مبيناً؛ ليسمُوَ الإسلام سُموًّا عظيماً، ولتنتشر العربيةُ انتشاراً ذريعاً، ولتُنسف ـ إلى غير رجعة ـ تلك الخرافات والبدعُ والأباطيل التي هي ضدّ أخلاقنا، وضدّ أمَّتنا، وضدّ ديننا الحنيف”

لقد كان داعية وفقيه, زاوج بين الاجتهاد العلمي والدعوي والتحسيس, ودعم الثورة الجزائرية بماله وقلمه, فقد كان رحمه الله شجاعا جريئا لا يخاف في الله لومة لائم, فقد كتب مقالات يطالب فرنسا فيها بمنع تدخل حكومتها في شؤون المساجد, قال عنه عقيد المخابرات الجزائرية، محمد الطاهر عبد السلام، في شهادته لجريدة الشروق, الشيخ العربي التبسي تبرع بـ300 رأس غنم للثورة التحريرية. حيث قال ما يلي “في نهاية شهر نوفمبر 1954 العظيم، جئت قادما من سوق أهراس رفقة أحمد علاق الشقيق الأكبر للجنرال محمد علاق، وهو أحد المعتقلين سنة 1950 عشية اكتشاف المنظمة الخاصة “لوس” بتبسة، طلب منه الشيخ العربي التبسي تسليم مبلغ مائتي ألف فرنك للمجاهدين، ثم أشار عليه أن يأخذ 300 رأس غنم (القطيع بأكمله) في بيته العائلي  بريف تازبنت تبسة، مرددا ومؤكدا له: إنها ملكي الشخصي وليست ملك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خاتما كلامه أعلم أن “لوس” هي من فجرت الثورة وهذه مساهمة من العربي التبسي للثورة المباركة”.

دعا الشهيد العربي التبسي، إلى الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي منذ عودته إلى الجزائر سنة 1927، حيث عرف بكرهه الشديد لفرنسا، وينقل عنه قوله: “من عاش فليعش بعداوته لفرنسا، ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر”.

ولأسلوبه التعبوي الدعوي الإيجابي بامتياز, أصبح شوكة في حلق العدو, لذلك سجن لمدة 6 أشهر خلال الحرب العالمية الثانية، بتهمة التحريض والتآمر مع الألمان ضد الدولة الفرنسية. , أعيد اعتقاله بنفس التهمة في مظاهرات 08 ماي 1945، وأفرج عنه سنة 1946 في إطار عفو عام. انتقل العربي التبسي سنة 1956 إلى الجزائر العاصمة، حيث واصل عمله الدعوي والتعبوي ضد الاستعمار الفرنسي من حي بلكور الشهير.

لذلك دعمه الكبير للثورة بالتوعية وجمع الأموال، جعله هدفا لبطش الاستعمار، وخوفا على حياته نصحه أحد كبار قادة الثورة عبان رمضان، بمغادرة الجزائر، فرد عليه الشيخ: ” إذا خرجنا كلنا من الجزائر فمن يبقى مع الشعب”.

يقول عنه الدبلوماسي الجزائري الأسبق والمجاهد صالح بن القبي ” أن بن يوسف بن خدة (أحد كبار قادة الثورة)، سلمه جواز سفر، وأمره أن يذهب به إلى العربي التبسي الذي كان يسكن بالقصبة من أجل أن يغادر البلاد، نظرًا للخطر الذي يحدق به، فرفض الشيخ العربي التبسي استلام الجواز، فأرجعه إلى بن خدة”. ومن أقوال العربي التبسي : “لو كنت في صحتي وشبابي، ما زدت يوما واحدا في المدينة، أُسرِع إلى الجبل، أحمل السّلاح وأقاتل مع المجاهدين”. 

أمام تصلب مواقفه المعادية للاستعمار الفرنسي وبعد فشل كل المحاولات لإسكات صوته، اقتحمت فرقة من المظليين من الجيش الفرنسي منزله ليلا، يوم الخميس المصادف لـ 04 أفريل 1957، واقتادته من فراشه بوحشية دون مراعاة كبر سنه ومرضه إلى وجهة غير معروفة.

وذكرت جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين يومها، أن الجنود الفرنسيين اقتادوا “الشيخ حاسر الرأس حافي القدمين، والمفاجأة كانت في اليوم التالي عندما سئل عنه في الإدارات الاستعمارية حيث تبرأت كلها من وجوده عندها أو مسؤوليتها عن اختطافه” .اختفى الشيخ العربي التبسي من يوم اختطافه، ولا يزال قبره مجهولا لغاية اليوم.

ومن أشهر الروايات على اغتياله، أن السلطات الاستعمارية، وضعته في قدر معبأة بزيت السيارات والإسفلت، ووضع على النار لدرجة الغليان وخير بين وضعه داخل القدر أو التراجع عن دعم الثورة، فاختار الشهادة, رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات