
بقلم مروان اسكندر
منذ يومين شاهدنا على شاشة التلفزيون وزيرة المال الاميركية تحذر الكونغرس من تفجر ازمة مالية اقتصادية تطيح بإمكانية تسديد معاشات موظفي الدولة الاميركية وتؤخر التزاماتها بتسديد اصول السندات الحكومية التي تستحق بعد بضعة اشهر اي في شهر تموز المقبل.
منذ اقل من سنة اي صيف عام 2022 انذرت وزيرة المال الاميركية الحالية ان على الكونغرس رفع سقف الاستدانة اذا كان للولايات المتحدة ان تسدد معاشات موظفيها واطفاء سندات مستحقة بتاريخ تموز 2022 وهكذا اقر الكونغرس رفع سقف الاستدانة الى 32 تريليون دولار، والتريليون يساوي 1000 مليار دولار.
الدعوة اليوم تزامنت مع افلاس بنك في كاليفورنيا كان يختص بتسليف مشاريع تطوير برامج الذكاء الاصطناعي، ولم يكن هذا البنك مشمولاً بالضمان الفدرالي لودائع البنوك المسمى FDIC اي الضمان الفدرالي للودائع وكان هذا الضمان يسري على حوالى 40% فقط من ودائع البنوك الكبرى.
انهيار بنك تسليف شركات ومخترعي برامج الذكاء الاصطناعي في كاليفورنيا استوجب انقاذ بنك اكبر وفر تمويلاً للبنك المذكور، وفي حين اعتبر افلاس البنك المشمول بالضمان الفدرالي ان حاجات التمويل للانقاذ تتجاوز ال100 مليار دولار، وتجاوز الازمة المصرفية التي طاولت بنكين صغيرين في كاليفورنيا اضافة الى البنك الاول الذي واجه متاعب تجاوزت حتى تاريخه ل200 مليار دولار.
الاميركيون معنيون بالدفاع عن الدولار كعملة تعتبر احتياطية من قبل مصارف عديدة في العالم خاصة منها مصارف اوروبية واخرى آسيوية وهنالك محاولات واضحة من الصين لإحلال عملتها عالميًا كعملة للاحتياطي وتسديد اكلاف المستوردات من الصين. ومعلوم ان النسبة الاكبر من مستوردات الولايات المتحدة من الصين تمثل ثاني اكبر انفاق على مستوردات عالمية، هذا مع العلم ان الصين هي الدولة المصدرة الاكبر ومن ثم تلحق بها المانيا، وعدد سكان المانيا بالكاد يبلغ نسبة 7% من سكان الصين، والاتحاد الاوروبي خصص نتيجة ازمة المصارف عام 2008 والتي انطلقت من الولايات المتحدة 6 تريليونات من الدولارات لمساندة البنوك والشركات الصناعية
الكبرى في اوروبا. وبالفعل يغطي الدولار حاليًا 60% فقط من حجم التجارة العالمية والاربعين بالمئة المترسبة تمول باليورو والعملة الصينية.
لا يخفى ان رئيسة البنك المركزي الاوروبي كانت تدعو منذ سنتين الى كبح المديونية التي ترافق تامين التمويل من البنوك المركزية والذي يتم بطبع كميات هائلة من العملات المقبولة ومن هذه الدولار، واليورو والعملة الصينية والى حد ما العملة اليابانية علمًا بان مديونية اليابان قياسًا على الدخل القومي هي الاعلى عالميًا وتوازي 250% من حجم الدخل القومي.
بالمقابل خشية اليابان من تأزم وضع عملتها بسيطة لان اليابانيين الذين كانوا اول من حقق استعادة النمو وتنوع الانتاج بين دول الشرق الاقصى، هم ملتصقون بهويتهم ويقبلون على شراء سندات الدولة حتى لو كان العائد عليها سلبي، لكن هذا الوضع لا يحمي اليابان من انحدار قيمة الدولار لان صادرات اليابان الى الولايات المتحدة تشكل نسبة ملحوظة من دخلها القومي
اليوم يواجه العالم مشكلة حقيقية الا وهي استمرار الدولار كعملة دولية تشكل نسبة استعمالها في مجريات التجارة العالمية النسبة الكبرى، ووزيرة المال الاميركية يلين تدرك مخاطر هذه الوضعية وهي في الوقت ذاته تدرك ان عدم تامين المعاشات في شهر تموز المقبل والتمنع عن سداد اقساط الديون المستحقة قد يطيح بوضع الدولار، وهكذا وضعية تكرس التوجه نحو اعتماد اليورو والعملة الصينية، اذا شاء الصينيون الاستمرار في توسيع دور عملتهم ليشمل تمويل مستوردات دول عديدة من الصين، ومن هذه الدول غالبية دول منطقة الشرق الاوسط العربية.
الاميركيون اسهموا في توسيع رقعة المخاوف من تعدل اسعار صرف العملات، واسهموا في خوف دول تعتمد الدولار كالعملة الرئيسية في احتياطاتها، ومن هذه الدول حتى الصين التي لديها 3 تريليونات من احتياطي الدولار، وبالمناسبة حجم الديون بالتريليونات يوازي عالميًا 82 تريليون منها 32 تريليون على عاتق الولايات المتحدة اي ما يزيد على ضعف حجم الاقتصاد الاميركي.
الارقام تبين ان الثقل الاميركي في المديونية العالمية يفوق حجم الاقتصاد الاميركي بنسبة الضعف ومستوى المديونية هذا لا نجده في اي بلد صناعي آخر دون
اهمية في الاقتصاد العالمي، وللتذكير نشير الى ان الاسترليني كان العملة الرئيسية حتى عام 1929 حينما انهار الجنيه بسبب ازمة مالية واقتصادية بدأت في الولايات المتحدة.
تدرك وزيرة المال الاميركية ان انهيار الثقة بالعملة الاميركية يوفر الى حد بعيد على موقع الولايات المتحدة عالميًا، وفي المكان الاول ندرك ان عدم رفع سقف المديونية الاميركية سيحول دون تحقيق برنامج الرئيس لتطوير منشئات البنية التحتية وادخال تحسينات على توافر الطرقات وموارد المياه وبالتالي اذا لم يمكن تحقيق برنامج الرئيس بايدن بسبب عدم زيادة مديونية الولايات المتحدة لن يكون له فرصة الفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد سنتين، ويضاف الى ذلك ان صحته على ما يبدو ليست على المستوى المرجو لخوض سباق يواجه خلاله مرشح من الجزب الجمهوري يتصف بالخلقية والهدوء وبالتأكيد لن يكون ترمب.
The post تحذيرات وزيرة المال الاميركية appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.