العرب نيوز (اهل الفن ) عبد الهادي شلا – كان يوم 19 يوليو 1994 ، مميزا في علاقتي مع شيخ النحاتين الكويتيين الفنان “عيسى صقر” ،يوم زارني ليهديني الكتاب الذي يحمل سيرته الفنية ومسيرته منذ خطواته الأولى والذي قام بتأليفه الفنان عبد الرسول سلمان.
عرفته عن قرب ولسنوات طويلة،فهو فنان هادئ ،كريم الطبع متفائل يملؤه الأمل بتحقيق شخصية فنية متفردا،لذلك نجده لم ينشطر في إبداعاته وما جرى مع اللاهثين يتخبط وراء سراب من صور التجديد دون وعي،بل تجذر في بيئته كلما اتسعت خطواته وهذا سر أصالته.
عيسى صقر ..المبتسم صاحب الشخصية المحبب لكل من عرفه .. التقيته لأول مرة في زيارة لي للمرسم الحر في بداية السبعينيات”1972″ ،حيث المكان الذي يحمل عبق التراث الكويتي القديم وحجراته التي تحيط بساحة كانت تنتصب فيها أعمال الفنانين المتفرغين للإبداع .
في المكان الذي أبدع فيه أكثر من جيل و مازالوا يسايروا ركب الفن العالمي فقد كانت الكويت بفنانيها سباقة عن غيرها من دول الجوار الشقيقة في هذا المجال.
كان المرسم يضم نخبة حملت على عاتقها وضع اللبنات الأولى في بناء الصرح التشكيلي الذي نراه يتجدد إلى اليوم (عيسى صقر- سامي محمد-عبد الله القصار- خزعل عوض- صبيحة بشارة-جاسم بوحمد-سعاد العيسى -عبد الله سالم و خليفة القطان ) وغيرهم .
لقائي مع هذا الفنان النبيل في أخلاقه وفنه كان في وقت كانت الحركة التشكيلية الكويتية الحقيقية تخطو أولى خطواتها الجادة مع عودة الرعيل الأول من الفنانين المبتعثين للدراسة في الخارج في أوائل السبعينيات لتصبح الصداقة بيننا أسسها النقاشات والحوارات والمشاركات في المعارض الجماعية المحلية والمشاركة عربيا .
الذين كتبوا عن “عيسى صقر” ،مروا على بعض التفاصيل الهامة منذ بداياته الأولى مع خطوطه الأولى”خربشات” خطتها يده الصغيرةعلى جدار بيت الجيران حين كان طفلا وتسببت له في عقاب ساخن في زمن له تقاليده الإجتماعية الصارمة كانت الفنون بدائية لا يضبطها إيقاع ولا تنطوي تحت اسم فن تشكيلي وأن أقصى ما يمكن ان نطلقه عليها – فنون فطـرية – تعبر خطوطها وألوانها عن حالة سرور وجمال تغشت النفس ففاضت برسومات مرتجفة الخطوط لايمكن إغفال سحر وقعها في النفس الشغوفة إلى الجمال كما فاضت به كلمات الشعراء وجمال الموقع على ساحل الخليج .
وكيف لجاره أن يعرف أن ما خطته يد الطفل “عيسى صقر” هي وهج ينبئ عن ولادة فنان واعد كتب له القدر دور الريادة فيما بعد ليحمل لقب”شيخ النحاتين الكويتيين”،وهذا قدر الكثيرين من العظماء الذين أثروا الحياة الإنسانية بأفكار وإبداعات جمالية .
يقول الفنان خليفة القطان :”في الخمسينيات، وما قبلها لم يكن في الكويت ما يسمى بالفنون التشكيلية، أو الفنون الجميلة، كما هي اليوم..، إلا ما كان يقوم به بعض العمال والبناءين والنجارين من رسم زخارف لونية على الحيطان، أو حفر تلك الزخارف على الجبس لتجميل الأطراف من الأسقف، أو على أبواب المنازل والغرف والسفن الشراعية”.
الفن هو الذي كشف لنا أسرار حياة الأمم السالفة من خلال ما وصلنا من آثارهم وبقايا حضاراتهم.
كنت شاهدا على العديد من إبداعات شيخ النحاتين”عيسى صقر” قبل أن تتشكل تماثيل مجسمة بل مجرد خطوط على ورق “أسكتشات” وهي فرصة كي نسلط الضوء على جوانب أخرى قد غابت بدون قصد عن من كتبوا عنه و إن أجادوا في وصف أعماله وقيمتها العالية.
“عيسى” كان دائم التأمل ..ينبش في ما هو بين يديه من صور الحياة الكويتية بينما عقله ووجدانه يريد شيئا أخر بطعم مختلف ويتطلع إلى قيم فنية تبقى راسخة في ذاكرة المتلقي.
كان على يقين بأن التطور “قادم” وأن المتلقي “يتطور” في استقباله لما يشاهد من لوحات وتماثيل مواكبا في ذلك تطور كل مناحي الحياة في المجتمع الكويتي بما فيها الموسيقى والغناء والمسرح و قد فـُتـِح الباب أمام كل مبدع حيث الدولة تغدق على الفنانين وتيسر لهم المشاركات في المحافل الدولية والمهرجانات الأمر الذي ترتب عليه انفتاح هادئ متسلسل الخطوات على طريق الرفعة والفن العالي.
ما بين الخمسينيات وما بين السبعينيات كانت تقام معارض فنية مدرسية وأعمال رسم و منحوتات كانت الفطرة والذائقة التي لا ترتكز على قواعد العملية الإبداعية وإنما هوايات لا يمكن أن نهمل أهميتها حيث أنها أقرب إلى البناء التربوي التي يمهد إلى اكتشاف المواهب التي ينتظر منها أن تكون مشروعا فنيا قادما فهذه البدايات الضعيفة لا تقلل من قيمتها فقد تشابهت مع بدايات الفنون التشكيلية في العديد من البلاد قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه.
من رحم هذه البدايات ظهرت المهارات العالية لمجموعة من الذين أتيحت لهم فرصة الإلتحاق بالمعاهد والكليات الفنية بالخارج ومنهم الرعيل الأول الذي منحته الدولة التفرغ الكامل للإبداع في مكان واحد هو “المرسم الحر” الذي كانت تشرف عليه وزارة المعارف التي خصصت له بعض مدرسي وموجهي التربية الفنية قبل أن يتحول كليا لمكان للفنانين المتفرغين خرجت منه روائع أعمالهم التي تلقفها أصحاب الذوق الرفيع والدولة التي كانت تقتني منها الكثير.
بدأت ملامح الحركة التشكيلية الكويتية تتبلور بسرعة وكثافة في الانتاج وإقبال الفنانين مع وجود الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية و المجلس الوطني للفنون والآداب والثقافة في البداية ثم في وجود العديد من قاعات العرض الخاصة والتي كان ولا يزال لها دوركبيرفي تطور واستقرار مسيرة الحركة التشكيلية.
الذي أذكره في هذه الفترة – أوائل السبعينيات -هوتلك الروح الوثابة والحماس الشديد لدى مجموعة الفنانين بالمرسم الحر،وهذه الهمة العالية – دون تنافس سلبي – بل كان كل منهم يجتهد في الوصول إلى درجة رفيعة وهدف كبير يسعى في الوصول إليه .
كان هذا واضحا في التجريب والإقدام دون وجل وكذلك في الحوارات التي كانت تدور بين الفنانين وغيرهم من زوار المعارض التي كانت تقام في المرسم.
نماذج من أعمال عيسى صقر
“وجه فتاة”
حين بدأ الفنان عيسى صقر تنفيذ عمله “وجه فتاة” في العام1973 – تحاورنا معا في بعض تفاصيله وكان اختياره موفقا بأن كان أساس العمل عبارة عن مصفاة من النحاس القديم مستديرة الشكل وكان قد بدأ الطـَرق عليها بغرض استخراج وجه فتاة منها،ولم يكن يريده وجها تقليديا،فرأى أن يطعمه ببعض الإضافات من الخرز الملون وأشياء أخرى اقترحها في حوارنا،وأذكر أن هذا العمل قد حقق له نجاحا كبيرا و لفت إليه الأنظارحين شارك به في المعرض العام.
هذا العمل قريب جدا من عمل أخر مشابه حمل إسم “الصوت الضائع”1974 – المصنوع من النحاس المطروق ومطعم بحلية نحاسية من زخارف تدلت على جبهة الفتاة تتجمل بها ،ومزلاج حديدي يغلق فم الفتاة ،وكأنها كانت على وشك الصراخ!!
المعنى هو دعوة إلى مزيد من الحرية للمرأة بصورة أكبر مع أن هذا العمل جاء في فترة انطلاقة الكويت الحديثة ونشاطها العالمي وانفتاحها قبل أي دولة في المنطقة على الحياة العصرية.
يقول عيسى: لقد كنت أعيش مع الريشة والألوان والوهم قبل أن يضمني المرسم بجناحيه !!
هذا يعني أن المرسم الحر كان صومعة مجموعة من زهاد الفن من الشباب المدرك للمسؤولية الملقاة على عاتقه نحو مجتمعه الناهض، لذلك بقي هذا المكان صرحا فنيا و مصنعا للفنانين حتى اليوم.
“السلعوة”
هذا التمثال كنت أيضا شاهدت على ولادته وهو علامة فارقة في أعمال عيسى صقر،وتبادلنا في عناصره الكثير من الأفكار ولكنه كان دائما يطيع أفكاره ورؤيته الخاصة مستفيدا من كل حوار،وهو تمثال خشبي في هيكله الأساسي (30x40x140) سنتيميتر (1973م) مطعم بمواد أخرى من القيود والأحجية الغريبة التي توالفت مع الوجه المخيف و جوهر موضوع التمثال المستوحى من الخرافة التي تفزع الناس،فكانت الإضافات عناصر قوية تؤكد معنى الأسطورة التي تبقى دائما عالما غيبيا ،ويبقى معها سؤال يبحث عن جواب متعدد الأشكال من مكان لأخر.
” حماتك ”
من الأعمال الملفة للنظر وتستحق الوقوف عندها و التي سبقت عمل ” السعلوة ” تمثال صغير الحجم لامرأة بدينة قوية البنية بيمناها عصا غليظة تقف بثبات الواثق جاحظة العينين صارمة التعبير أسماه ” حماتك ” وهو من المدرسة الواقعية حيث استطاع الفنان بقدرته أن يسجل موقفا ربما مازال في بعض بيوتنا..هو صورة ” الحماة ” القوية التي تسيطر على بيت العائلة وهو تمثال خزفي بأسلوب تفرد به الفنان .(كان من مقتنياتي الخاصة فهو إهداء من الفنان عيسى رحمه الله وبسبب الهجرة إلى كندا فقد أهديته إلى السيد/ تيموثي بروسنان الإيرلندي الذي كانت تربطني به صداقة )
” العطش ”
وكذلك تمثال ” البائس ” فهو لا يقل عن التمثال السابق من حيث التركيبة التشكيلية وتفسيره للإحساس بالبؤس من خلال الحركة في التمثال التي نراها في شخصية البائس الذي يكاد يتهاوى بؤسا. (40x30x30)سنتيميتر
” فرحة التحرير”
تمثال حمل مضامين تجلت في هذه المرأة الشابة تخطو برفق إلى الأمام بقدمها اليسرى بثبات تجلى على وجهها حياء ظاهر وحركة جميلة تـُبدي مفاتنها التي لابد أن تأسر كل من يراها فهي الكويت التي عاش الفنان يخلد تراثها فكيف لا تكون جميلة الجميلات وبحركة يدها ونسيمة عابرة حملتها أمواج الخليج لتصنع من عبائتها شكلا لا تخطئه العين إنه يرسم خريطة الكويت.من هنا جاء إسم التمثال فرحة الكويت التي ملأت الكون يوم تحررت .
لوحات الفنان عيسى صقر
لم يقتصر إبداعه على النحت بمختلف المواد من الخشب أو الجص أو الخزف وغيرها ولعلني أذكر هنا أنه أول من إبتدع طريقة الخزف المشقق بتقنية اكتشفها بنفسه كما ذكرت في تمثال “حماتك”.
ولم يبتعد أسلوبه في الرسم عنه في النحت فعناصره الإنسانية تنبثق من الأرض إلى الفضاء في بعضها وهو لا يبرح جو البساطة التي تميز بها في تطويع عناصره بما يحقق له المعادلة التي يصبوا إليها بأن يكون التوافق بين النحت والرسم نابع من شخصيته الفنية.
لوحاته متعددة الأساليب بين التجريدية والتعبيرية بعناصرها الكويتية التي كان الماضي ببساطته ونفحاته الأصيلة تتردد في حركات شخوصه وأسماء لوحاته..(العرضه -رقصة شعبية – عودة الفار-الحصار) وصولا إلى حلم ذات ليلة صيف -السندباد-الراعية الحسناء و لوحة فرحة التحرير التي حولها إلى تمثال من أروع ما أبدع).
عيسى صقر الخلف (شيخ النحاتين الكويتيين)
* أول فنان كويتى منح التفرغ الفنى في الكويت .
* عضو مؤسس في الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية 1967م .
*عضو في تجمع الإبداع الحــُر .
* عضو في أصدقاء الفن لدول مجلس التعاون الخليجي .
* درس الفن في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1963 – 1966م ·
* منح لقب شيخ النحاتين – وتقديرا لعطاءه الفنى فقد سميت جائزة مهرجان القرين للفون التشكيلية باسمه تقديرا وعرفانا لما قدمه من أعمال فنيه ومنحوتات رائعه للفن التشكيلى الكويتى
*أبدع في عمل التماثيل لمواد البرونز, والخزف, والخشب, والجبس,. كما أنه أنجز كثير من اللوحات الزيتية والمائية ،ولديه كثير من الأعمال في مختلف بلدان العالم, ومتاحفه.
*انتقل إلى رحمة الله أثناء العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مرض السرطان.
الجوائز:
*جائزة الشراع الذهبي من معرض الكويت للفنانين التشكيليين العرب عام 1975م .
* جائزة تقديرية في بينالي الشارقة 1995م .
* جائزة الأقصر الدراسية من جمهورية مصر 1966م .
المعارض:
*اشترك في معرض صالون القاهرة أثناء الدراسة 63 – 64 · شارك في معارض رابطة اتحاد الطلبة بالقاهرة 62 – 66 ·
*أقام معرضين شخصيين 67 – 76 ·
*شارك في أكثر من 150 معرضاً في الداخل والخارج و شارك وحضر مؤتمر النحاتين في كندا 1978م ·
* شارك وحضر مؤتمر النحاتين في مدينة زارت بأسبانيا كما شارك ورافق في معرض الأسبوع الإعلامي في جمهورية مصر العربية 1989م، بمناسبة زيارة صاحب السمو أمير البلاد لمصر
* شارك في بينالي القاهرة الدولي للفنون 1988م كما شارك ورافق في بينالي الخزف الدولي الأول بالقاهرة 1994م
* شارك ورافق معرض المجلس الوطني في بينالي الشارقة الثاني عام 1995
#العرب_نيوز ” أخبار العرب كل العرب “