بقلم القنصل محمد الجوزو
رئيس مجلس امناء صندوق الزكاة في لبنان
(إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن تصبيكم نفحة منها، فلا تشقون بعدها أبدا)
حث الله تعالى على اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة واستباق الخيرات وتحين الفرص،ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان شأن يختلف عن كل أحواله في غيره من الشهور، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحيانه جوادًا كريمًا، لكن كرمه وجوده في رمضان كان في الذروة فجوده صلى الله عليه وسلم بالخير في رمضان يفوق الريح المرسلة بالخير في إسراعها وعمومها، ولولا أن النفقة في رمضان والجود بالخير تفوق منزلتها على غير رمضان ما اختصها الرسول بذلك.
ومما لا شك فيه أن شهر رمضان المبارك هو موسم الطاعة الذي يضاعف فيه الأجر، فإن أهل الخير ممن أوجب الله عليهم الزكاة اعتادوا إخراج الزكاة في رمضان طلبًا لمضاعفة الأجر وإدخالًا للفرح على قلوب الفقراء والمحتاجين، ونظرًا لأن قلوبهم تكون أكثر رقة وحنانًا عن غيره من الشهور لأن في الصيام ارتقاء للروح نحو الخالق عز وجل، فالصوم له وهو يجزي به، ومنذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم فضل المسلمون إخراج زكاتهم في رمضان.
وقد نصح الصحابي الجليل والخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه المسلمين في زمانه بشهر رمضان: هذا هو شهر إخراج الزكاة لكم. إذا كانت لديك ديون، فقم بسدادها حتى تتمكن من فرز ثروتك وتأخذ الزكاة منها .
إن شهر رمضان نبع فياض يتدفق بأكرم معاني الجود والكرم، ومدرسة راقية لتطهير النفس والروح، يحرك حب الخير المتأصل في النفوس، ويبعث الإرادة التواقة إلى التقرب الى الله بشتى أنواع الطاعات والعبادات، ويخرج من بواعث الروح اسمى معاني الألفة والتضامن وحب الخير للغير.
فالصوم فريضة تسمو بالروح إلى عالم اللطف والصفاء، غايته تطهير النفوس من من حب التعلق بالمادة، والبعد عن الذنوب، وهدفه بث الطمأنينة والأمن والإيمان في القلب، وتأكيد أسباب المحبة والمودة بين أفراد المجتمع من خلال فريضة تحمل في طياتها أرقى وأسمى معاني الألفة والتراحم والإحساس بالآخرين إنها فريضة الزكاة التي لها أعظم الآثار الإيجابية التي تعود على الفرد والمجتمع.
ولا بد أن القول أن من رحمة الله تعالى أنه جعل من الإسلام نَهجٌ كامل لحياةٍ يحكمها الخير والرَّحمة والتكافل والفلاح، ففي أحكام الله التي سَنَّها في كتابه الكريم وفي سُنة رسوله الحبيب، معايير مُحكمة خُصَّصت لتجعل المسلمين على قلب رجل واحد ولتجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعاً يسوده الخير والصَّلاح والوئام.
ومن أحكامه التي أوجبها على عباده المسلمين إيتاء الزكاة وهي حق المسلم من أخيه المسلم، وجعل في أدائها الخير الكثير لِمن أخرجها لله ولِمن أخذها من عباد الله، تطهر الزكاة نفس المزكّي من الشُّح والبخل، لأنَّ الفكرة الأساسية من الزكاة هي الاِستغناء عن جزء بسيط من المال للفقراء والمحتاجين،كما أنها تطهر نفس الفقراء من الحقد والحسد، وتزيد الألفة بين المسلمين، تزيد الزكاة من البركة في مال المُزكّي تحمي المزكي من البلاء،تحقق الزكاة التكافل الاِجتماعي وتزيد من تماسك المجتمع، تُحقق المساواة في المجتمع وتُؤلِّف بين قلوب المسلمين،كما أنها تزيد من مال المُزكِّي بالرِّغم من أنه يعطي منها، (ما نقص مال من صدقة).
إنه لا يَتمُّ إسلام الشخص إلا بإتمام الزَّكاة، فهي شرط رئيسي من شروطه، قال الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقال:يا رسول الله، أيُّ النّاس أحبّ إلى الله؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟.فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:أحبّ النّاس إلى الله تعالى أنفعُهُم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور يُدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربَة، أو يقضي عنه دَيْنًا، أو يطرد عنه جوعًا.
ان رمضان والزكاة صنوان او شقيقان او توأمان لا ينفكان عن بعضهما البعض، وارتبطت الزكاة برمضان ارتباطاً وثيقًا وهذا ما اعتاد الناس عليه وما زالوا، فهور شهر الحمة والمفغرة ومضاعفة الأجر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى فيه سبعين فريضة فيما سواه.
فما أكثر الهبات والعطايا في رمضان شهر البركات وكنز المِنَح والنَّفَحات، والتي ينبغي على كل فَطِن أن يقتنص الفرصة ويسارع ويسابق ويجاهد لينال النصيب الأوفَى من هذه المكرمات والنفحات والبركات، فلنبادر جميعًا باغتنام الفرصة في شهر رمضان المبارك فنجاهد أنفسنا في فعل الطاعات والعبادات على أكمل وجه وأن نؤدي حق الله عز وجل في أموالنا : وحق الله الزكاة .
أسأله تعالى أن يمن علينا بالعطاءات التي تُصلِح حالنا وتسعد أبناء مجتمعنا في الدنيا وجنة ورحمة وفوز في الآخرة، رمضان مبارك وكل عام وانتم بخير، كل عام وصندوق الزكاة في لبنان يزرع الأمل ويرسم الفرحة ويعين ذا الحاجة ويكفل اليتيم والمسكين والأرملة والمريض والعاجز، بفضل الله عز وجل وفضل كريم دعمكم وزكواتكم ودعواتكم.
القنصل محمد الجوزو
The post رمضان والزكاة appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.