صحيح أن الإجماع ليس في طبيعة الشعب اللبناني، وليس في تقاليد السياسة اللبنانية، وكثيراً ما كانت الساحتان الوطنية والسياسية تتميزان بالاختلافات في الرأي، وحتى بالخلافات العميقة التي وصلت، غير مرة، إلى حد الاحتكام إلى السلاح… إلّا أن ما تشهده هاتان الساحتان، في هذه المرحلة، تجاوز المألوف، فإذا القوم أقوام، وإذا الخطاب السياسي ينبت في حقول الحقد، وينمو في حقول الكراهية، ويميل في اتجاه الأنانية التي تبلغ ذروتها في أهواء التقسيم الذي يتقنع حيناً بالفيدرالية وأحياناً يضع قناع المطالبة بالتوازن الوطني…
والأنكى من هذا كله، بل والأخطر أن المشهد العام يتكشف عن فوضى عارمة غير مسبوقة، وكأننا فعلًا في الحمّام المقطوعة مياهُه. ومع أن المياه مقطوعة فعلاً عن الناس، إلا أن ذلك الحمّام يبقى أرحم، لأن المستحمين قد لا يتمكنون من استماع بعضهم البعض، ولكنهم لا يعاملون بعضُهم بعضاً بالعنف الذي تحمله العبارات والكلمات والأحرف التي يستخدمونها جميعاً في زمننا الرديء: فالكل يتهم الكل بالخيانة والعمالة وسرقة المال العام والفساد على أنواعه… وقد يكونون (كلُّهم) على حق في ما يتبادلون من اتهامات، وهذه الفوضى الضاربة أطنابها تتميز بأن الأهداف السياسية، من ورائها، باتت مكشوفة، خصوصاً عندما يُصاب اللبنانيون الطيبون العاديون بالعيش مع ما نسميه «متلازمة الصفدعة»، أي الانتفاخ الفارغ الذي يصيب المشاركين في هذه الفوضى العارمة، إذ يتعذر أن تقع على حامل شهادة (أمي) لا يطلقون عليه اسم خبير، أو على متدرج في النيابة لا يصبح بين ليلة وضحاها منظّراً في الشؤون اللبنانية والإقليمية والعالمية، سيان أكانت سياسية أو اقتصادية أو مالية أو قانونية أو ستراتيجية أو لاهوتية إلخ… وسرعان ما يصاب هؤلاء بـ»متلازمة الصفدعة» فينتفخ الواحد منهم إلى حدود الانفجار، وربما يلقي عليك أيضاً دروساً في علم الفلك… وما أن يتفوه ببضع كلمات حتى يتكشّف لك على أي معلف هو مربوط…
ووسط هذه المتاهة تجد نفسك أمام إجرام المخططات التي تستهدف لبنان في مصيره ولكلٍ منها أزلام في الداخل ولهم مواقع وتاريخ في التبعية والاستزلام.
والله زمان.
The post شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – «متلازمة الضفدعة» appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.
