قراءة في رواية جلجامش والراقصة للروائية الشاعرة الدكتورة ربيعة جلطي
Spread the love

خيال الكاتب الواسع جواز سفره نحو عوالم الإبداع, نحو كون جميل لبناءات فكرية بقراءات متعددة لا تختصرها ألوان أدبية ولا تستبين طعمها أذواق المنهجية, سفر بين الحقب البائدة والحضارات, عوالم الفلسفة والحكمة وأبعاد الكلمة وجماليات الحرف, إنها الذوبان الأصيل في المجاز والاستنباط,  ليغترف منها ما يشاء ليخرج لنا روحا أدبية, تحتوينا وتحتوي مشاعرنا وأحاسيسنا, وتحملنا في رحلة أسطورية نسجت من حر الأنفاس المتبخرة ليلا, ومن الأفكار المتدفقة صبحا, ومن وحي المساء وأشعة الغروب وهي تودع البشر بكرم ذهبي لا يقدر عليه حاتم الطائي. الخيال سحر بمفعول الدواء, به  نبني جسورا أدبية تساعدنا على تخطي الحواجز الكلاسيكية المحدودة لنبحر مع رحابة الاستنباط  الحضاري الفكري لا وجود لفواصل الزمن فيه ولا للعثرات والمطبات, لنصنع هالة أدبية تتعدى أجسادنا وحوارينا, لتغطي المعمورة بكاملها.

رواية الدكتورة الكاتبة والشاعرة ربيعة جلطي “جلجامش والراقصة” كانت أفكار روافدها الأولى من وادي الرافدين على الضفة الشرقية لنهر الفرات, بحيث عادت بنا إلى العصر السومري, عصر الروعة والإبداع بأبعاده الفلسفية, عندما يصبح المعنى ولآدا مطلا على الماورئيات وفيض الكينونة الفكرية المتدفق, إنها ملحمة “جلجامش”  الأسطورية  الفكرية الفلسفية الشعرية ومقارباتها الإنسانية, بحيث أعادت البناء والتفاصيل وأعطتها نكهتها الخاصة بها, و متنتها بعطر افكارها, وبذلك أخرجت لنا أسطورة خاصة بها, بحجم ربيعة جلطي الأدبي والفكري.

إنها رواية متعددة الأبعاد و الأوجه, وما أراه هو استقراء للتاريخ بطريقة عصرية مترامية القراءات, إنها ربط الماضي السحيق بالحاضر بفقاعات غليانه وبخاره الحارق, و بما فيه من ذكاء سياسي ودبلوماسي وتموقع مصالح و تنافر وتجاذب واقتتال وحروب حارة وباردة. لقد أبدعت الكاتبة كعادتها في روايتها لتجعل  القارئ  يتيه في دهاليزها و أغوارها ويواجه مصيره في فهم وإدراك الأبعاد الخفية والمرامي المزروعة في أعماقها, لأننا أصبحنا اليوم نعاني من الهباء المنثور الثقافي والفكري الذي لا وزن له أو التطاول الفكري الجاف, إن صح التعبير أصبح ظاهرة سلبية مقلقة في غياب النقد والنقاد وأفول نجمهم , مما أدى إلي تشبع الساحة الأدبية حد التميع الضار, الذي ستظهر أعراضه على الأجيال القادمة, لذلك وجب على أهل الاختصاص من النقاد القيام بهبة دراسية تعري النصوص أو الأعمال الأدبية الرديئة وترفع من شأن الجيدة, لنحصل على توازن ملهم للساحة الأدبية, وبالتالي ينتهي زمن التطاول ويستطيع شافعي زمننا أن يمد رجليه. كما أدرك مسبقا أن هذه الرواية ستبقى في مجال النقد والتمحيص والمعالجة, كذلك ستتفاجأ  بدراسات جيدة حولها نستفيد منها وتكون إشعاعا يزيد من إنارة ساحتنا الأدبية  والفكرية والثقافية الجزائرية , كل التوفيق للكاتبة ومزيد من التألق.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات