كتلة الموت واللهب.. قصة “قنبلة القيصر” أقوى سلاح نووي يملكه بوتين
Spread the love

يحبس العالم أنفاسه منذ عدة أشهر خوفاً من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إشعال حريق حرب نووية، فغير بعيد من خطوط النار في أوكرانيا تغفو بعض أهم وأخطر أسلحة الدمار الشامل، وتنام القنابل النووية القادرة على حرق خضراء الأرض وتحويلها إلى كرة نار متقدة.

بعد سنتين من البناء والتطوير، وبعد جهد جهيد من العلماء السوفيات وفي مقدمتهم أندريه ساخاروف، حلقت طائرة عملاقة حاملة أهم وأكبر قنبلة في التاريخ، وهي قنبلة “إيفان الكبير” أو “قنبلة القيصر” أو كما يسميها الغرب “the Tsar bomb”، كانت هذه القنبلة ذات قوة تدميرية هائلة قدّرها علماء أميركيون بـ100 ميغا طن، أي أكثر بـ3300 مرة من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي مجتمعتين، وأقوى بعشر مرات من جميع الذخائر التي تم استخدامها خلال الحرب العالمية الثانية. لكن السوفيات اختاروا تجريب نصف هذه القوة فقط، رغم أن قوتها التدميرية بقيت -رغم ذلك- أقوى بعشرات المرات من قوة تفجير قنبلتي “الطفل الصغير” (The Little Boy bomb) و”الرجل السمين” (Fat Man bomb)، اللتين ألقيتا على مديني هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين وراح ضحيتهما عشرات الآلاف.

 

قنبلة قيصر الروسية

استكملت موسكو تطوير قنبلة القيصر، كانت جبلًا من النار ومستودعاً من شظايا الموت التي تجمعت في كتلة واحدة تزن 26.5 طناً وبطول 8 أمتار، متربعة على قطر مترين. ولنقلها إلى موقع الاختبار، أجرى الخبراء السوفيات قرابة 50 تعديلاً على الطائرة الضخمة “تو-95” (Tu-95)، شملت تلك التعديلات ترتيب هيكل الطائرة، واستبدال جميع الموصلات الكهربائية، وإعادة طلائها بطبقة بيضاء عاكسة حتى لا يلتهمها اللهب الحارق الذي سينبعث إذا ما فارقتها كرة النار العملاقة.

أُبلغ قبطان الطائرة الرائد الطيار أندريه دورنوفتسيف بالمهمة الخطرة، ولم يخف عنه قادته طبيعة المهمة وصعوبتها ولا حجم كرة اللهب التي ستصاحبه.

وفي 30 تشرين الأول 1961، كان التاريخ السوفياتي على موعد مع أحد أكثر أيامه إثارة وخطورة حين تحركت الطائرة “تو-95 في” (Tu-95V) من مطار “أولينيا” في شبه جزيرة “كولا”، كانت أرضية المطار تهتز تحت عجلات الطائرة المحلقة، التي صاحبتها طائرة مراقبة أخرى. بعد وقت من الطيران، وتحديداً في حدود 11:32 صباحاً دوى صوت اللهب الحارق، فقد تم إسقاط القنبلة فوق إحدى جزر أرخبيل “نوفايا زيمليا”(الأرض الجديدة)  غير المأهولة في القطب الشمالي.

ولكن عملية إنزال “القيصر” من القاذفة لم تكن سهلة، فقد أشرف عليها عدد من الخبراء، وتمت بواسطة منطاد ضخم خصص لهذه المهمة ويزن حوالى طن، وكان الهدف منه هو إبطاء سرعة هبوط القنبلة الضخمة، حتى تتمكن الطائرة وطاقمها من النجاة والفرار من دائرة اللهب التي امتدت طولًا وعرضاً وعمقاً، وخلدت بعد ذلك في تاريخ الأيام المشتعلة في رئة الزمان.

ورغم ذلك فقد هوت الطائرة لمسافة ألف متر بسبب قوة الانفجار الذي عطل 3 من محركات الطائرة الأربعة، واحترقت قطع منها، وذابت أخرى، كما تفحمت أجزاء من الطلاء الأبيض العاكس الذي صبغت به قبل الانطلاقة.

ومع ذلك، فقد اعتُبر الفريق محظوظاً لنجاته من الموت الذي انتشر في الأفق، كما نال قائده رتبة مقدم وحط عن منكبيه رتبة رائد التي حلق بها في طريقه لإحراق القطب الشمالي، أما مهندس القنبلة فقد كان له رأي آخر، حينما رأى ما جنته يداه وما يمكن أن يصل إليه اللهب لو تطور مسار إنتاج هذه القنابل.

تم تفجير القنبلة عبر أجهزة استشعار بارومتيرية مثبتة عليها بعد نحو 188 ثانية من انفصالها عن الطائرة، وبعد وصولها إلى الارتفاع المقرر وهو حوالى 4500 متر فوق سطح البحر، حيث انطلقت النار متأججة طولًا بارتفاع يزيد على 67 كلم، وعرضاً على مسافة 40 كلم، وشوهد بريق اللهب ووميض النار من مسافة تزيد على ألف كلم، أما قطر دائرة اللهب فقد تحوّل من مترين لا أكثر ليمتد إلى 4.6 كلم.

كان الأمر حدث الدنيا الأوحد بالنسبة للاتحاد السوفياتي، فقد أدت الاهتزازات الناشئة عن التفجير إلى اهتزازات متتالية في أرجاء الكرة الأرضية، وفقا للإعلام الروسي، وأشارت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن انفجار القنبلة ولّد إشارات زلزالية كبيرة رغم وقوعه في الغلاف الجوي، وتحدثت مصادر أخرى عن أن الاضطراب الجوي الناتج عن الانفجار دار حول الأرض 3 مرات.

أما في محيط الكارثة، فقد سويت المنطقة بالأرض، وذابت جبال الجليد التي شمخت صلبة متراصة لقرون، وامتد الصدى القاتل ليسوي قرية “سيفيرني” بالأرض، رغم بعدها عن موقع الحادث بأكثر من 55 كلم، في وقت تهشمت فيه مبانٍ وسويت أسطح بالأرض.

ورغم كل ذلك، فإن العالم لم يتمكن من مشاهدة تلك الأهوال، ويطلع على تفاصيل كثير مما جرى، قبل الرابع من آب 2020، حينما أفرجت روسيا عن فيديو يوثق لحظة الانفجار في مقطع من 30 دقيقة، لتظهر للعالم كم كان حجم الانفجار هائلًا ومرعباً لأقصى درجة.

كان ذلك الرعب قد تسرب بقوة إلى قلب “صانع” القنبلة المهندس والعالم الروسي الكبير أندريه ساخاروف، الذي تحول لاحقاً إلى ناشط محارب للسباق النووي، وداعية من أبرز دعاة نزع السلاح النووي، وأحد أهم قادة الرأي العالميين المطالبين بالحريات والحقوق، وهو ما جلب له نقمة النظام السوفياتي، وحوّله أيضاً إلى أيقونة نضال في نظر الغرب حتى نال جائزة نوبل عام 1975، كما أطلقت باسمه جائزة دولية للحريات والنضال المدني.

في ذكراها الـ61، ما زال خطر الإشعاع النووي “نشطاً للغاية”، وما زال الخوف يحرق قلوب العالم فزعاً من حرب نووية لا تبقي ولا تذر.

 

 

The post كتلة الموت واللهب.. قصة “قنبلة القيصر” أقوى سلاح نووي يملكه بوتين appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات