
بقلم عماد الدين أديب
«اساس ميديا»
يدرك الشيخ محمد بن زايد عدّة أمور رئيسية:
-1 أنّنا في عالم يمرّ بمخاض إعادة تشكيله متأرجحاً بين خوف أميركي من فقدان قيادة العالم، ورعب من صعود صيني، ورغبة في إسقاط حكم بوتين لروسيا.
-2 أنّنا في عالم تحكمه حركة المصالح الاقتصادية بامتياز وتزداد فيه أهميّة مصادر الطاقة بشكل غير مسبوق، وأنّنا في عالم ينظر إلى المنطقة بعين على حجم إنتاج الطاقة وبعين أخرى على الصناديق السيادية لكلّ من السعودية والإمارات وقطر والكويت.
-3 أنّ إدارة بايدن لا تفهم قانون الفعل وردّ الفعل لكلّ من أبوظبي والرياض والقاهرة.
-4 أنّ اعتمادية إدارة بايدن فعليّاً في لعب أدوار بالمنطقة فيها رهان أساسي على الدوحة أكثر من أبوظبي أو الرياض أو القاهرة.
وقد ظهر ذلك في تركيز إدارة بايدن علنيّاً على شكر قطر لدورها في الانسحاب من كابول على الرغم من أنّ أبوظبي لعبت دوراً فاعلاً للغاية.
وظهر ذلك في رعاية واشنطن للدور القطري في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان.
وظهر ذلك في استجابة واشنطن لطلبات الدوحة العسكرية في مقابل تعطيل صفقة الـ»إف 35» مع الإمارات على الرغم من الموافقة المسبقة عليها، وسحب بعض بطاريات باتريوت من السعودية ومنع تفعيل الإنذار الجوّي المبكر الراصد للصواريخ الحوثية على الأراضي السعودية.
-5 أنّ الحكمة والشجاعة معاً تستدعيان اتّباع سياسة وطنية متوازنة تجمع بين «خدمة مصالح البلاد والمنطقة من ناحية مع المحافظة على السيادة الوطنية للبلاد».
-6 أنّ خدمة المصالح الوطنية تستلزم بالضرورة قراءة عميقة ودفاعية لخارطة الصراع الدولي (الصين وروسيا من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى).
-7 أنّ هناك ثلاث قوى عالمية مؤثّرة سلباً أو إيجاباً في الصراعات في المنطقة، وهي تركيا وإيران وإسرائيل.
لذلك تقوم أبو ظبي بالسعي إلى التعامل ومحاولة الانفتاح على الجميع من خلال شبكة مصالح مشتركة مع عدم الوقوع في وهم أنّ هذه القوى الثلاث قوى ذات أهداف «بريئة» أو «نوايا حسنة».
8- أنّنا نعيش في عالم لا يخلو من إشكاليات كبيرة، سواء إشكاليات مع «الأعداء» أو منافسات أو خلاف مصالح مع الحلفاء والأصدقاء.
لذلك تعامل الشيخ محمد بن زايد مؤقّتاً مع «رصيد التوتّر» مع قطر، وواقع التنافس المحتوم مع السعودية، وتضارب المصالح مع تركيا، وتحدّيات الميراث النفسي مع إسرائيل، والقدرة على الدعم المتّصل للاقتصاد المصري، واختلاف الإدارات والإرادات في واشنطن، ولغة المصالح المفرطة عند بوتين، وانتهازية أوروبا، والصعود المكلف للعملاق الصيني.
إنّه عالم عربي مضطرب، وشرق أوسط خارج عن السيطرة في نظام كوني في حالة من فوضى التشكّل.
هذا هو العالم الذي يتعامل معه محمد بن زايد بوعي وحكمة وشجاعة.
لن يجلس الرجل ينتظر عودة العقل للعالم العربي أو توقّف التآمر في الشرق الأوسط أو حسم ترتيب النفوذ في النظام الكوني.
قرّر الرجل أن يقتحم هذه الدوائر الثلاث بهدف تنظيم المصالح العليا لبلاده من دون أن يجلس على الشاطئ في انتظار سفينة العقل والاستقرار الكونية التي يبدو أنّها سوف تتأخّر كثيراً كثيراً.
قرّر الرجل أن يسعى إلى تقدّم الإمارات من خلال بناء الإنسان ورفع مستوى جودة الحياة وتنمية الموارد وخوض تجربة التنافسية لبناء دولة نموذج بشكل إيجابي من دون انتظار ما لا يجيء عربياً أو شرق أوسطياً أو عالمياً.
علينا أن نطوّر أنفسنا من دون أن ننتظر أن تنتهي المنطقة من صراعاتها. «هكذا تعلّم الشيخ محمد من حكمة والده ورؤية الشيخ محمد بن راشد».
قرّر أن يبني جسراً من المصالح مع الأميركي والروسي والصيني والألماني والفرنسي والأوروبي والهندي والكوري الجنوبي بشراكات قوية تدعم المصالح المشتركة للجميع.
قرّر الرجل ألا يقوم «بتسييس المصالح»، بمعنى أنّ «درهم التعاون الاقتصادي» يختلف عن «درهم الأعمال الإنسانية».
درهم التعاون الاقتصادي يقوم في كلّ هذه الشراكات الثنائية على الحسابات المالية والتجارية والتنموية الدقيقة القائمة على قواعد «البيزنس» العالمية.
يدرك الرجل أنّ هناك تنافسية محتومة في المنطقة بين بلاده والسعودية من ناحية وقطر من ناحية أخرى.
حتى مع الأشقّاء في المنطقة هناك خطّ واضح لمعاملات الإمارات فيه تمييز صريح بين الدعم الإنقاذي للأصدقاء، وبين التعاون الاستثماري القائم على شراء حصص استراتيجية في شركات إقليمية ومحلية أو بناء وتمويل مشروعات على أساس تجاري مربح للطرفين.
لا يحبّ الشيخ محمد بن زايد فكرة أو عملية «الشو السياسي»، أي التفاخر أو التباهي بقوّة الدور الإماراتي أو بتأثيراته الشخصية في المنطقة أو الأزمات.
يحبّ الرجل «نتائج الإنجاز الهادئ من دون التباهي والاستعراض الإعلامي».
لذلك نجده يلعب بصمت دوراً أساسياً مع الفرنسيين في مقاومة الإرهاب في دول الساحل الإفريقي، وبصمت يدعم اقتصاد ومتطلّبات الشقيقة مصر، وبصمت يساعد على ترحيل اللاجئين والسياسيين الأفغان بعد سقوط كابول ومنح الرئيس السابق ووزير دفاعه وكبار المسؤولين إقامة كريمة في الإمارات.
لذلك نجده يبني بصمت جسوراً تساهم في عمليات تبادل الأسرى بين موسكو وكييف.
ولذلك أيضاً نجده في أسبوع واحد بعد رجوعه من موسكو، يتلقّى محادثة هاتفية من الرئيس الأوكراني لشكره على أدواره المتعدّدة في الملفّ الروسي – الأوكراني.
يستدعي الأمر براعة استثنائية في أن لا نضرّ بمصالح الشريك الروسي في «أوبك بلاس» ويكون لدى وزير خارجيّته عبدالله بن زايد علاقة استثنائية مع وزير الخارجية الروسي لافروف، وتكون في موسكو وتحظى بالرعاية الاستثنائية الشخصية من الرئيس بوتين الذي ينسى كبرياءه البروتوكولي المعتاد ويوصل ضيفه إلى باب سيارته بعدما يكون قد منحه سترة الشتاء الدافئة الخاصة به، وعقب ذلك تقوم الإمارات بالتصويت على عدم قبول ضمّ موسكو للأراضي الأوكرانية.
لا يحبّون في أبوظبي أن يصفوا ذلك بدور الوسيط، ولا يحبّ الشيخ محمد بن زايد إبراز الدور الفاعل له في واشنطن وموسكو وباريس ولندن، بل يفضّل أن يوصف ذلك بـ»الدور الإيجابي الذي يعطي الثقة العميقة لكلّ الأطراف لبناء جسر من التفاهم، ويجعل من الإمارات طرفاً موثوقاً يمكن أن يُعتمد عليه في إسماع الأطراف المتصارعة وجهة نظر الطرف الآخر».
في موسكو سمع الرئيس بوتين من الشيخ محمد بإنصات شديد «المطالب الفعليّة النهائية للطرف الأوكراني».
يتبع غداً
The post كيف يدير بن زايد علاقاته مع موسكو وواشنطن؟ – 1 appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.