في وقتنا هذا لكي نعيش سعداء لا نحلل ولا نحاول الدوران حول أفكار النقاشات الجانبية الهشة و لا الغوص في مكنوناتها أو ما ترمي اليه من معاني أو مقاصد، فإنها لا فائدة ترجى منها، ولا نتصيد عثرات اللسان واعوجاجها, فلها احتمالات كثيرة وربما حدتها يكون وقعها قاسيا وجارحا ومربكا وقد يصل حد الأرق أو إثارة لبراكين الحقد والغل التي تنجم عنه أشياء لا تحمد عقباها أو ربما تدفعنا لخسارة مكاسب كنا نراها مشرقة لا يخالطها كدر ولا جفاء ، بل جعلناها في خانة القدوة وبنينا عليها آمال كبيرة أسعدتنا قبل أن ترى النور وجعلت من حياتنا معنى.
النفوس البشرية أصبحت رقيقة جدا، بفعل الضغوطات المعيشية والمخلفات الجانبية للوباء وما نتج عنه من سلبيات، كذلك التراكمات المصاحبة له، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الدولية منها, والتي لم تعد أخبارها العاجلة تشد انتباهنا, فكل شئ تغير, حتى الأبعاد الواقعية وما يدور حولها من أصول فكرية سواء على صعيد الفكر السياسي أو العلاقات الدولية, أصابها ما أصاب الكثير من الذين فقدوا حاسة الشم والذوق لمدة وتعودوا على ذلك, فأصبحت الأمور بالنسبة لهم عادية , وحتى بعد عودة الحواس إلي ما كانت عليه من نشاط وقوة التمييز, لم يتغير شئ , كما أن المثالية والقداسة والكمال والحكمة المطلقة، صفات تعلوا عن مقام البشرية، وقد جاء في الحديث (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) ، نحن نحب المثالية ونريد الكمال و نصبوا لامتلاك الحكمة ولكننا نبقى في خانة معادلة الإصابة والخطاء، والوقوع في مستنقع الذنوب والتوبة منها, إن ما يخيفنا اليوم هو انفلات الأعصاب وكثرة الشجار على أبسط الأمر وهذا ما أدى إلي وقوع جرائم كان يسهل تجنبها لو احتكمنا إلي العقل أو طبقنا فلسفة التجاهل وانسحبنا بهدوء.
إذا أحببنا فلا ندع منغصات الوساوس وهذيان الشك وإسقاطاته توقعنا في شراك النفور والتردد، سنكمل طريقنا النبيل ونطهر قلوبنا من البراثن والأحقاد وننبذ الكراهية والحقد ، نعاشر بإحسان ونفارق بنبل، نسامح ونبتسم فما الحياة إلا أنفاس, فكلنا راحلون يوما لا محالة.
قد يكون وراء كلمة هائمة أو طائشة وقع ثقيل علينا ونحن أطلقنا لشيطان تحليلاتنا العنان، فوقعنا في فخ الخسارة، فأفسدت علينا حياتنا ونغصتها وفي النهاية ظلمنا الناس وظلمنا أنفسنا، نحن نبحث عن الراحة الفكرية والنفسية والتمتع بكل ما هو جميل في إطار سامي وروحي ، نتجنب كل شئ يعكر علينا حياتنا وصفاء لحظات من أوقاتنا أذبنا بها ترسبات نفسية عالقة.
يجب تجنب النقاشات البيزنطية الغير مفيدة، لا نخوض في الأفكار العقيمة وعندما نريد أن نجالس أشخاصا، نختار لأنفسها أفرادا يعرفون أصول النقاش ومفرداته وقواعده السامية، لنستفيد ونفيد ونكون طرفا فاعلا في بناء جسر التواصل المعرفي وتبادل أفكار تؤسس لصداقة مفيدة بعيدة عن المصالح والمترصدات الضيقة الآنية, ونسعى جاهدين لحب الجزائر والمساهمة الفعالة في جعلها قوية, لأنها بدون سواعدنا وإتحادنا وحبنا ضعيفة.
في بعض الأحيان وفي خضم مواقف يخفت فيها نور العقل ويعلوا على جوانبها صوت الشيطان, يصبح التجاهل حكمة وأمن, والانسحاب شرفا وعزة, قد ينجينا ويحفظنا ويرفعنا إلي مقام النبلاء وبذلك نكون حافظنا على استقرارنا الحياتي الذي بدوره تستمد منه الأسرة توازنها, بل أصبح التجاهل معادلة يجب البناء عليها في أمور احتكاكاتنا السلبية اليومية, ويعد أيضا تكتيكا وإستراتيجية لتجنب مواقف تجر إلي مشاكل نحن في غنى عنها, لقد أصبح تحكيم العقل من الأمور الصعبة وهذا هو السبب الذي افسد العلاقات الأسرية وقطع صلة الأرحام وكان وراء كثرة الطلاق التي بلغت نسبا مخيفة بل ذروة الإنشطار الحارق وما ينجر عنه من مشاكل وتبعات والضحايا هم أطفال وبنات في عمر الزهور, سيعيشون معيشة قاسية تنجم عنها رواسب نفسية تبقى معهم طوال حياتهم .