25 April, 2024
Search
Close this search box.
أهمية إصلاح ذات البين في بناء التماسك الاجتماعي ودوره في ولاية تبسة
Spread the love

إصلاح ذات البين خلق كريم وثقافة  هادفة, وسياسة واعدة ووعي مدارك راقية وفلسفة راشدة لها أبعاد حضارية وإنسانية, بها تعتدل الموازين ويجبر اختلالها, لأن الخلافات من عمل الشيطان ونزغه, ترمي للشتات والتنافر وخلخلة موازين الأمة وإفساد المجتمع وخلق عداوات لا تنتهي في بعض الأحيان إلا بالدماء,  لتتسع رقعتها لتجرف الكل نحو قعرها السحيق, فإعادة ما أفسده الشيطان وتقويمه و ترميم تصدعاته وإنهاء الخصومات المشتتة المفرقة, لا يقوم به إلا الخيرون الطيبون, أصحاب العزائم القوية والنيات الصالحة والمشارب البناءة والصحوات الجابرة النافعة, فاختلاف الآراء والتوجهات أصبح ظاهرة حادة و سمة عصرية, مشبّعة بالأيديولوجيات الغربية المدسوسة لتشويش عقول الناس وإبعادهم عن دينهم وزرع الخلافات بينهم, مع أن الإسلام عالج هذه الظاهرة الخطيرة بجميع مراحلها ومستوياتها وصولا إلى أخطر مستوى منها وهو الاقتتال, من أجل زرع الاستقرار والأمن  وتوحيد الأمة, لتكون لديها رؤية مستقبلية فلا تشغلها النعرات ولا الدسائس ولا سياسة المستعمر المبنية على “فرق تسد” التي مازالت بعض الولايات في الشرق الجزائري تعاني منها لحد الساعة.  

إن إصلاح ذات البين  حضارة  أخلاق وتصويب أخطاء,  وربط الرقي بالمستقبل لمد جسور فكرية بناءة تخدم الأمة, لتتماسك ويصلح حالها, كما  إنه عبادة وإيمان, يقول تعال في سورة الحجرات الآية  10″ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” فخلق الوئام والتفاهم استقرار, والاستقرار مكسب يخدم البلاد والعباد ويدفع بعجلة التنمية نحو الأمام, “عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ”, ولهذا فالإصلاح فقه دلت عليه نصوص الشرع ودرب سار علىه الكثير من الخيريين المصلحين.  

لذلك فالصلح معروف في ولاية تبسة وخنشلة وغيرهم من الولايات كموروث ألِفوه من الآباء والأجداد, كحل تعرَّف الناس على فوائده منذ القديم, وبالرغم من أنه  ليس بديلا للأحكام القضائية, فهو كذلك لا يتعارض مع مصادر الشريعة الإسلامية, علما أن الإجراءات المتبعة فيه حسب أهل هذه المبادرات الإنسانية والاجتماعية, لا تتدخل في الإجراءات الأمنية المتخذة  وتعطيلها أو عرقلة عمل الجهات القضائية المختصة, ويعتبرونه اجتهاد و إضافة جديدة للإصلاح وتهدئة النفوس وامتصاص الغضب,  والحد من بعض الأعمال الانتقامية الطائشة التي تزيد من توسع رقعة المشكلة وبالتالي يصعب السيطرة عليها.

ومن الأشخاص  المصلحين الفاعلين في هذا الشأن الأستاذ الزين قريب إمام مسجد أنس بن مالك تبسة, الدكتور الربعي عمير , الإمام بوالديار سليمان, سليمان معيغي, بوعمرة محمد, روابح أحمد  وفارس بوبكر, العضو بالمجلس الشعبي البلدي لبلدية بئر العاتر, وحسب الإحصائيات التقريبية فقد تمت سنة 2022 العديد جلسات صلح على مستوى ولاية تبسة وفي مطلع السنة الجارية عدد من هذه الجلسات. ولهذا فالمصلح هو ذلك الطيب الذي يبذل كل ما في وسعه, من ماله وجهده ليصلح بين الإخوة, وقد أمتد نشاطهم داخل ولاية تبسة على مستوى معظم بلدياتها 28, وحتى خارجها,  وأذكر أن شخصا من هؤلاء الأفاضل رحمه الله, من أعيان بئر العاتر يمثل هذه الصفات الكريمة, يبذل من ماله وجهده ليصلح بين الناس وقد ذاع صيته حتى خارج ولاية تبسة, وهو المرحوم الحاج براهيم بن الزين روابح, الذي أصبح مضرب الأمثال في بذل ماله من أجل الإصلاح بين المتخاصمين, وهذه الصفة تعتبر شهامة وكرم, تسهل أمامها كل الصعاب والعوائق.

فبذل الجهد والمال  لتحسين العلاقات بين المؤمنين، وتقوية الروابط  بينهم والقضاء على تصدع الجوار والقطيعة وبناء ألفة قوية وإعادة المياه إلى مجاريها, وإحياء التعاضد والتكاتف بين المؤمنين شرف وعلو هامة وخلق كريم, تعتبر في وقتنا هذا عملة نادرة,  عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أخبرُكُم بأفضلَ من دَرجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقةِ قالوا بلَى قال صلاحُ ذاتِ البينِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البينِ هيَ الحالِقةُ » أخرجه أحمد والترمذي وأبو داوود ” الحالقة هي القاطعة المفسدة, ويقول  الله تعالى في سورة النساء  الآية 114,  في فضل الإصلاح” لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً”

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات