29 March, 2024
Search
Close this search box.
الفكر المادي في قفص الاتهام
Spread the love

 إن انحراف المسيرة العلمية وتحولها إلى كابوس يهدد البشرية ووجودها على الكرة الأرضية, والصراعات الفكرية والأيديولوجية في المجتمعات الغربية  وتنوعها وتأثيرها السلبي المسرطن على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والروحية العقدية, وانتقالها إلى المجتمعات العربية والإسلامية, سببها الرئيسي  أسس ومنهجية  ومنطلقات ومخرجات الفكر المادي المتزمت الذي لا يقبل الانفراج الفكري الشمولي الموسع على الحقائق المقابلة والأخذ بما فيها من حجج دامغة ولا يريد الخوض فيها, كما  لا يؤمن بالغيبات و يرفض الإقرار بوجود الخالق و يعتمد أساسا على أزلية المادة و أبديتها وقيامه على المنهج الفلسفي وانفتاحه على المذهب المثالي, الذي يقر بأن حقيقة الكون أفكار وصور عقلية, والمذهب الروحاني, الذي يقر بروحانية النفس واستقلالها عن البدن,  و المذهب العقلاني الذي يقوم على التركيز على القدرات العقلية في فهم الحقائق والأمور, أو بمعنى آخر اعتماده على الحس والعيان كأساس للمعرفة.     

 لذلك فإن الفكر المادي أو المادية  أو الإيديولوجيا المادية,  يعتمد على المادة كبوابة عاكسة للحياة في صورها التكاملية, ويعطيها السيادة المطلقة في إسعاد البشر, فهي الموجه   للسلوك وتنشيط الوجدان وتحفيز المشاعر والشعور بالغبطة, فهو يعطينا نظرة خاطئة على أن سعينا و وصولنا إلى أهدافنا المادية قمة السعادة, التي أصبحت مختصرة في الماديات وما يدور في فلكها بأبعاد تصاعدية, وما ينتج عنها من نشوة تختزل المشاعر والأحاسيس , مع أن الفكر المادي قديم قدم بداية توهج العقل البشري وإمعانه التفكيري الجزئي لفهم ما يدور حوله وما يحس به من متغيرات وانعكاسات لحيزه وما وصل له امتداد بصره سواء كان حسيا أو بصريا.

إن الفكر المادي البحت, شوه المسار العلمي وجعله ينحرف عن مهامه النبيلة والإنسانية, وأدخله في عالم الرفاهية المطلقة المخصصة للعلماء وتدجينهم وإغرائهم بكل الوسائل, لبذل جهودهم من أجل الاختراعات التي تدخل في إطار أسلحة الدمار الشامل, التي تضر البشرية وتهلك الحرث والنسل وتقضي على البيئة وتأتي على الأخضر واليابس, فالفارق واضح بين من صنع البنسلين وأنقذ الملايين من البشر, ومن صنع القنابل الفسفورية والعنقودية وغيرها من الأسلحة الفتاكة كالنووية  والإشعاعية وصولا إلى التحكم في المناخ وجعله سلاحا فتاكا أصبح يهدد العالم أجمع.

الفكر المادي منذ بداية تدرجه في مراحل تطوره, أصبح فلسفة وتوجها إيديولوجيا ثم مشروعا سياسيا قامت عليه تكتلات وأحلاف وقوى مدت من نفوذه, ليصبح مطلبا عسكريا لدى العديد من الدول  انتهى بمعاهدات وأحلاف سياسية عسكرية, وخاصة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية,  فقد  كانت سلبياته أكثر من إيجابياته, فالمادية كانت دائما سببا في إشعال فتيل الحروب والهيمنة والتوسع, والبذخية الفكرية سواء في الملبس والطعام والشراب والإسراف في المتعة والجنس واضطهاد المرأة  وجعلها وعاء  للنشوة والتلذذ, وتسخيرها للمجالس الراقصة.

الفكر الهولاكي الذي نستنبطه من مسيرة الحاكم المغولي هُوْلَاكُوْ خَانْ حفيد جنكيز خان, يعتبر من المادية, هذا الحاكم الذي احتل معظم بلاد جنوب غرب آسيا بعد أن قتل الملايين من أهلها، وشرد النساء والأطفال والشيوخ, وتوسع جيشه على جثث الأبرياء ليكّون  إمبراطوريته المغولية, ولو تمعنا في التاريخ لوجدنا هذا الفكر واضحا لدى العديد من الحكام, وعلى سبيل المثال أدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية، مؤسس حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني والمعروف باسم الحزب النازي.كما نستنبطها من الصهيونية  الماسونية وسيطرتها ماديا على مراكز القرارات  الدولية وتغلغلها في المجتمعات. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية في مسارها من أول رئيس جورج واشنطون إلى الرئيس الحالي بايدن, تعتمد على المادية بمفهومها الواسع  الذي يرتكز في زحفه الإيديولوجي على فهم ظواهر الحياة والطبيعة والوصول إلى كنهها, ارتكازا على خطوات مدروسة علميا وبتخطيط دقيق, كما يعتمد أيضا على دراسة المحيط الحياتي اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودراسة أحوال المجتمعات والأفراد, وهي سعت وما تزال لحد الساعة على السيطرة على العالم.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات