25 April, 2024
Search
Close this search box.
بواطن الأدب وردة فعل المتشائمين
Spread the love

الأدب هو ترجمة لمشاعر الإنسانية وحسها على شكل عواطف وأفكار ومفاهيم و خواطر وهواجس و متقلبات الدواخل والصدور, والكوامن والمتناقضات وما يختلج بينهما بأجمل الأساليب الكتابية وأعمقها شعرا ونثرا ونصوصا مختلفة تجتمع فيها كل المشارب, من السياسة إلي الكياسة ومن الرواية إلي الفن والثقافة, وكذلك التعبير أو العلوم اللغوية الراقية التي تفتح لنا أبواب المعرفة والعلم والتواصل لنسبح و نغوص في الفلسفات والروحانيات وخيال الكلمة وخفقان الحروف, لنتصافح حسيا ونتشابك روحيا, ونكمل النواقص و نقوي الروابط وينتعش الفرد وتسمو المجتمعات بالمعرفة والفكر البناء والثقافة التي تبقى الرابط العالمي الذي يستمد جذوره من الحضارات القديمة, التي ما تزال عذراء تلهمنا كل يوم وتبعث فينا حب الإطلاع وتشعرنا أننا برغم ما توصلنا إليه لا نزال نتعلم, ورغم ذلك لم يستطع العلم الحديث الوصول إلي فهمها و فك طلاسمها والغوص في كنهها.

كما أن للأدب أنواع وهو نتاج تطور الثقافات وتقدمها وقد وثق لنا التاريخ العديد منه, مثل الأدب العربي والفارسي والأمريكي والألماني وغيرهما, كما أن للفلسفات العاطفية التي اعتمدت من طرف بعض الكتاب والأدباء للتأثير على المتلقي تبقى هي الأكثر شيوعا, لأن للعاطفة كلمة في الأدب في حره وجره وفي قوافي السهر وارتجال السمر وسرد سحر الطبيعة وجمالها, ورعشات القلوب وخفقانها ومد الأمومة والرحم وفيضان المشاعر في عمق الروائيين والكتاب, إن للرقة ورهافة الحس تأثير لا يدركه إلا من نهموا من قصص و روايات الأدب العالمي, وبالتالي فهي مفتاح للصعود والتفوق والإلمام بجميع المعارف الأخرى وخاصة العلمية منها, التي تعتني بعلم الطب والجبر الهندسة و الفيزياء والكونيات.

الكثير من المثقفين يطلقون حججا واهية مفادها أن المواد الأدبية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولطالما سمعت وسمعنا تلك العبارة التي كانت عبارة عن رصاصة قاتلة أصابت الأدب في مقتل ” الأدب ميوكلش الخبز”، أي ليس له مستقبل، مع إننا لم نفلح فلاحا بعديا في جميع المواد سواء الأدبية منها أو العلمية، يثري مكتباتنا ويناطح العالمية ، ليكون كمراجع ننهل منها ويستند عليها الطالب في بحوثه، مع إن كل المواد كانت لصيقة بالأدب يوم كانت شمس الحضارة الإسلامية تنير أصقاع الأرض, وعندما كانت الكتاتيب أولى المعاهد في الحضارة الإسلامية، ودورها الكبير في صقل شخصية الطالب ، ومنحه الإجازة التعليمية للمراحل العليا، بحيث تخرج منها علماء كبار في كل التخصصات وشتى العلوم، وساهموا في بناء الحضارة العربية الإسلامية التي عم نورها مشارق الأرض ومغاربها، وتركوا إرثا علميا ما تزال الأمم تغرف من نبعه الرقراق الذي لا ينضب ولا يشح عطاؤه.

أين نحن مؤلفات أعمدة الأدب العربي؟ أمثال كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب الآمالي لأبي علي القالي، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب العقد الفريد لأحمد بن عبد ربه, وكيف نصل إلى مرتبة طه حسين والعقاد ومي زيادة وإبراهيم عبد القادر المازني وغيرهم من علماء الجزائر الأجلاء أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس, رجل الإصلاح في الجزائر ورائد النهضة الإسلامية ؟ الماديات والرفاهية لم تساعدنا في سلك الطريق التنويري والعلمي الصحيح, بل إنحرفت بنا إلى مسار مجهول, رغم   أن دروس الحياة  كثيرة  ومتنوعة, متواصلة لا تنتهي, كل يوم نشاهد أو نصادف وقائع ودروسا مجانية نتبناها لإعادة حساباتنا والعدول على ما نحن سائرون فيه, من مسالك نهايتها منحدرات خطيرة ومطبات وانحرافات , نهايات مأساوية لأناس كان الكثير يحسدهم على الترف والرفاهية التي كانوا يعيشون فيهما , فانتهوا مصائر محطمة مخضبة بالندم, لا يتمناها العدو لعدوه, ومع ذلك نتعامى ولا نلقي لها بالا, ولا نريد حتى التعمق والغوص في تفاصيلها وفهم أغوارها واستنباط أفكارها, كل يوم ونحن على موعد مع هادم اللذات ومفرق الجماعات, نسير في الجنائز أجساد  بلا ردة فعل ولا استفاقة حس ولا عثرة نفس, مغيبون بين عوالم مادية باطلة, لا وجود للتأثيرات الروحية حولها.

قد يقول قائل إنها سنة الله في خلقه, ولكن أين التدبر وإمعان الفكر وحضور الحواس والقلب وتفعيل العقل. التجربة التي لا تؤذينا ولا تقتلنا تنفعنا مستقبلا, لنبني عليها خطانا ونمد من سلبياتها جسورا للمنفعة الشاملة الكاملة, الاستفاقة الفكرية والعلمية  والاجتماعية من الركائز الهامة في بناء الفرد والمجتمع, والصحوة قبل الضَّحْوةُ  رزقنا المنشود في زمن التكاسل والإغفاءات المثبطة للعزائم القاتلة للوقت, ما يهم هو تقديم العقل على العاطفة والآخرة على الدنيا, وبهذا نكون قد وضعنا أولى الخطوات على الطريق الصحيح.        

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات