23 April, 2024
Search
Close this search box.
حرب “حزب الله” على الكنيسة المارونية…
Spread the love

واشنطن – بيروت – الناس نيوز ::

حسين عبد الحسين – الحرة – اعتقلت قوات الأمن اللبنانية رجل الدين اللبناني المسيحي الماروني موسى الحاج فور عودته من إسرائيل وبعد عبوره بوابة الناقورة الحدودية اللبنانية، وحققت معه على مدى 12 ساعة، وصادرت أموالا كانت بحوزته وتراوحت، حسب التقديرات، بين ربع مليون ونصف مليون دولار، فضلا عن أدوية كان ينقلها الحاج إلى لبنان العاجز — بسبب انهياره الاقتصادي — عن استيراد أدوية أساسية بشكل يهدد حياة المرضى فيه.

السلطة اللبنانية “التي يديرها حزب الله” الموالي لإيران علّلت الاعتقال والاستجواب بالإشارة إلى أن الحاج عاد من دولة عدوة، وحاولت التلميح الى أن المطران الماروني كان ينقل أموالا من حكومة إسرائيل الى أزلامها وتابعيها الذين يسعون لتخريب قدرة لبنان على “المقاومة”. 

لكن قانون مقاطعة إسرائيل، الذي أقرته جامعة الدول العربية قبل عقود وتبناه لبنان، يستثني رجال الدين والعمل الرعوي، وهو استثناء سمح لبطريرك الموارنة نفسه اللبناني بشارة الراعي بزيارة إسرائيل في العام 2014. 

ومنذ تأسيس الرهبانية المارونية والبطريركية، قبل ألف عام على الأقل، يعيش الموارنة في المشرق (سوريا ولبنان وإسرائيل) وقبرص، وينتشرون منذ قرنين في أصقاع العالم، خصوصا في الأميركيتين، ولهم كنائس (بما في ذلك هنا في واشنطن) يديرها رجال دين يتبعون الكنيسة المارونية في لبنان.

لبنان نفسه وُلِدَ بمجهود كنيسة الموارنة في انطاكية وسائر المشرق، التي استقت اسم البلد من العهد القديم ومنحته شارتها، أي الأرزة المذكورة في الكتاب نفسه. ومع ترسيم الانتداب الأوروبي للحدود في الشرق الأوسط، حاولت بريطانيا جعل نهر الليطاني الحدود بين لبنان وفلسطين، لكن الفرنسيين، بتحريض من الكنيسة المارونية، رفضوا ذلك، وتم رسم الحدود بشكل فصل شمال فلسطين، ذات الغالبية السنية شبة المطلقة، عن جنوب لبنان، ذات الغالبية الشيعية والمارونية، باستثناء سبع قرى مارونية تمّ رسمها مع فلسطين، فضلا عن قرى مارونية كانت أكثر بعدا عن الحدود.

ويصل انتشار الموارنة في الشمال الإسرائيلي أصلا حتى عكّا، آخر نقطة عاش فيها الفينيقيون في الماضي السحيق، ثم توسعوا جنوبا ليصلوا حيفا والناصرة، فيما تعيش حوالي عشرات العائلات في القدس، ويبلغ اجمالي عددهم أقل من عشرة آلاف.

هكذا، بسبب وجود موارنة إسرائيليين، تم استثناء العمل الرعوي من قانون مقاطعة إسرائيل. والموارنة الإسرائيليون يزورون مقاماتهم الدينية في لبنان دوريا بحصولهم على جوازات أردنية من السلطة الفلسطينية، ثم انتقالهم إلى بيروت جوا من عمّان.

كل هذه التفاصيل لا تعني “حزب الله”، الذي ينصّب نفسه حامي المسيحيين في المشرق من خطر التطرف الداعشي. ما يزعج الميليشيا الموالية لإيران هي أن الكنيسة المارونية صممت لبنان في الماضي، ولاتزال تسعى اليوم للحفاظ عليه، كبلد يعيش فيه الموارنة بكرامتهم، لا كذميين — أي مواطني درجة ثانية — كما عبر عصور الحكم الاسلامي وكما في ايران اليوم. 

كما سعت الكنيسة المارونية تاريخيا، وتسعى اليوم، إلى استقرار أحوال رعيتها، روحيا ونفسيا واقتصاديا وماليا وأمنيا، وهو ما يتطلب أن يكون لبنان مزدهرا يعيش في سلام مع جواره، لا أن يكون قاعدة صاروخية تستخدمها إيران لابتزاز إسرائيل والغرب. لكن للأسف، لبنان هو اليوم قاعدة صاروخية إيرانية، أقصى ما يمكن لزعيمها حسن نصرالله تقديمه للبنانيين هو خيارين: الموت إما جوعا أو حربا.

ولأن “حزب الله” منزعج من الكنيسة المارونية وسيدها الراعي، يمضي بمضايقتها لعلمه أن اغتيال الراعي أكبر بكثير من كل عمليات الاغتيال التي نفذها ضد سياسيين لبنانيين في الماضي. أما مضايقات “حزب الله” للكنيسة المارونية وبطريركها الراعي، فتكون غالبا على شكل تخوين يشنه إعلام الحزب ضدها.

لكن اعتقال سلطات دولة “حزب الله” المطران الحاج ذهب أبعد بكثير من التخوين الإعلامي وأدى لارتباك أكبر حليفي الحزب المارونيين. النائب السابق والطامح للرئاسة سليمان فرنجية هاجم الاعتقال، وقال إن من قام به هم “طابور خامس”، أي عناصر مندسة، وهو نوع من الاتهامات التي تستهبل الناس. أما النائب الحالي وصهر الرئيس ميشال عون والطامح للرئاسة كذلك جبران باسيل، فحاول استهبال الناس بدوره بالتلاعب على الموضوع، وغرّد قائلا إن “القانون اللبناني يحرّم نقل الأموال من الأراضي المحتلة” لكن من غير الجائز اعتبار المطران عميل “لأنه يحاول مساعدة عائلات تم افقارها”. وختم باسيل تغريدته بالهجوم الشعبوي العوني المعتاد على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

هكذا، وقف “حزب الله” في هجومه على كنيسة الموارنة عاريا، بدون تأييد أقرب حلفائه الموارنة، فاضطرت وسائل إعلام الميليشيا الموالية لإيران إلى تبرير الاعتقال باللجوء إلى كلمة تسييس. وكلمة تسييس هذه يستخدمها “حزب الله” للتغطية على كل موبقاته، فهو وصف المحكمة الدولية التي أصدرت حكما بتورطه في اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري بالتسييس، واتهم التحقيقات في انفجار المرفأ بالتسييس، واليوم يتهم الصرخة التي علت ضد تعليماته باعتقال المطران الماروني الحاج بالتسييس كذلك.

ولأن “حزب الله” وقف عاريا في هجومه على كنيسة لبنان المارونية، لم يجد من يعينه إلا حفنة من مناصريه الشيعة، فكتب أكاديمي يعيش في أميركا أن الحاج خرق القانون والأخلاق، ودعا إلى تفتيش سيارات البطريركية ذهابا وإيابا من إسرائيل كضرورة وطنية وأمنية، واستذكر معاهدة سرية بين الكنيسة والحركة الصهيونية قبل عقود، وأخذ على بعض الموارنة تلفظهم بكلمة إسرائيل بدلا من قولهم “فلسطين المحتلة”. 

في هذا العقل البسيط أن كل من يعترف بوجود دولة اسرائيل يخرق الأخلاق، أي أن لا حوار ولا اختلاف رأي في الموضوع، ولا مساحة لحرص المواطن اللبناني على مصلحته الفردية والوطنية كأولوية تعلو على كل الأولويات في المنطقة والعالم، ولا خيار للمواطن اللبناني في التضامن أو عدمه مع الفلسطينيين. الأخلاق، برأي الأكاديمي الفاضل، هي أن تنحصر خيارات اللبنانيين بين الموت من الجوع أو الموت في الحرب، وهذا “وجه الصحارة”، وهؤلاء هم من يحكمون لبنان.

The post حرب “حزب الله” على الكنيسة المارونية… first appeared on الناس نيوز.

التاريخ

المزيد من
المقالات