29 March, 2024
Search
Close this search box.
حين تتعرّى الجهات
Spread the love

(كلمتي في حفل توقيع “حين تتعرّى الجهات” لصديقي الشاعر عباس علي مراد)
،،،،،،

من جهاتٍ تتعرّى
قد وُلدتَ اليوم حُرّا،
ووهبتَ الأرض شالاً
وقميصاً للمجرّهْ..

ما ثيابٌ، ما حريرٌ،
إن لبستَ الفكر دُرّا،
ومتى لوّنتَ سطراً
غمر الدفءُ الأسرّهْ!

نبضُك الثاني جمالٌ،
كم أحبُّ المستمرّا:
وأنا إن قلتُ: شهمٌ
لا أذيعُ الآن سرّا..

وغداً جيلُ المنافي
في صفائك يتمرّى،
وتغنّي “عيترونٌ”:
من هنا عبّاس مَرّا!
،،،،،،،،

بعد تأجيل “كورونيّ” أول وثانٍ، ها نحن نحتفل مع الصديق الكاتب والصحافي عباس مراد بصدور كتابه الجديد “حين تتعرّى الجهات”. عباس المغامر يتحدّى العاصفة الهوجاء ويحمل كتابه مظلةً تقيِه فيض المطر وظلم البشر. تفكّر في العنوان وتتساءل: الى أية جهات يأخذنا عباس، وماذا كانت ترتدي، قبل أن يعلن عريها؟ وما هو الآن فاعل، بعد أن أضاعت ثيابها في غابة الغياب؟

عباس الطاعن في الغربة مثلنا يستهلّ كتابه بالقول: “معتزلاً/ مغترباً/ منفيّاً”، وكأنه يمدّ لنا بساط المعاناة الأحمر، قبل أي كلام. حرقة الإغتراب، وأنين الفراق، والحنين والألم المعلّقان على اسلاك الذاكرة، كلها صرخات الروح المشتاقة الى ذاتها الأصليّة هناك في “عيترون” الجنوبية. قصيدة “عيترون” تاج الكتاب، حيث يناجيها عباس قائلاً: “الطيور المهاجرة/ العابرة من الأعالي/ لا تخلف موعداً معك…ذكركِ يحيي الجسد/ ويبعث الأمل في الروح”.
لكن الغربة الطويلة بدأت تترك آثارها على الذاكرة ووجهة الطريق. يكتب عباس: “دموعُ الذاكرة/ تتجمد في صقيع الغربة”. وحين تتعب الذاكرة، تضيع الألوان، ويغمر الضبابُ الدروب، و”تتعرّى الجهات”.

حين تتعرى الجهات، يتيه السائر ويفقد البوصلة، فلا الشمال شمال، ولا الجنوب جنوب. كالأعمى يتلمس طريق العودة الى البيت، ولا يستطيع أن يتوكأ على الذاكرة المتجمدة. حتى الصلاة تصير فعلاً ذاتياً خارج الطقوس. “ها أنا أتوضاُ/ على وقع نبضات القلب”، يقول عباس، ويردف:” في حقول التيه/ تتزاحم الأحلام”. كيف الخلاص إذن من عري الجهات، وطغيان المسافات؟

إلى الحبيبة يلتجئ عباس ويعلن:” اليوم أنا لاجئ/ إلى مملكة مولاتي”! ولا يهم ان كانت الحبيبة وهماً أم حقيقة؛ حسبها انها تنتشل الكاتب من الضياع، وترسم له خطاً واضحاً في صحراء التيه. ويهمس اليها ايضاً:” تأسرين الليل/ فيغمض عينيه/ ويغفو في أحضانِك”…واذا اعتبرنا ان الكاتب يتماهى مع الليل، أدركنا مدى لوعته وعمق جراحه. ولا يلبث ان يختصر الحكاية كلها في قصيدته”حين تتعرى الجهات”، فيختمها بالقول:” دليلي أنتِ/ حينَ تتعرّى الجهات”، ويا نعم الدليل!

.هل تكون الكتابة أيضاً فعل خلاصٍ من عري الجهات؟ لا شك أن عباس، شأنه شأن قلّة من أهل الأدب هنا في استراليا، ما زال يؤمن بالكتاب سبيلاً، وبالحُب دليلاً…شجاعٌ هو، وطيب القلب، ولأمثاله تُرفع القبّعات. عسى أن يكون اللقاء حول كتابه ناجحاً من كلّ الجهات.

التاريخ

عن الكاتب

المزيد من
المقالات