29 March, 2024
Search
Close this search box.
قنبلة هيروشيما.. هل تكون الأخيرة؟
Spread the love

بقلم محمد السماك

”اساس ميديا”

قبل أسابيع قليلة من ذكرى إسقاط أوّل قنبلة نووية أميركية على مدينة هيروشيما في اليابان (في السادس من آب 1945) تساءل وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت مكنمارا: هل انتصار الولايات المتحدة في الحرب يبرّر القصف النووي لهيروشيما وناكازاكي؟ وذهب مكنمارا بطل الحرب الأميركية في فيتنام إلى أبعد من ذلك عندما وصف مساهمته في المسؤولية العسكرية عن القصف النووي بأنّها «جريمة حرب».

لم يسبق لوزير دفاع أميركي أن مارس فضيلة النقد الذاتي كما فعل مكنمارا. فهو لم يقتصر على انتقاد إلقاء القنبلتين على اليابان، وعلى تحمّل مسؤوليّته في تلك الجريمة الإنسانية الكبيرة، لكنّه انتقد أيضاً الحرب على فيتنام وحمّل نفسه مسؤولية ما وصفه بجريمة التشجيع على تلك الحرب.

في الأساس تنطلق مأساة التوظيف الأميركي للسلاح النووي ليس فقط من مبدأ استخدام هذا السلاح المدمّر، لكن من مبرّرات استخدامه أيضاً. فالولايات المتحدة ما تزال حتى اليوم تمتنع عن كشف الوثائق السرّية التي تجيب عن السؤال الكبير التالي، وهو: هل كانت اليابان مستعدّة للاستسلام قبل إلقاء القنبلة؟ وهل كانت هناك خيارات أخرى أمام الولايات المتحدة لحمل اليابان على الاستسلام من دون اللجوء إلى السلاح النووي؟

في عام 1946 أعدّت وزارة الدفاع الأميركية تقريراً سرّيّاً بعنوان: «جهود اليابان لإنهاء الحرب». اعترف التقرير الذي لم يُذَع إلا في عام 1995 بأنّه «من المؤكّد أنّ اليابان كانت على استعداد للاستسلام قبل كانون الأول 1945، وربّما قبل الأوّل من تشرين الثاني 1945 حتى لو لم تُلقَ القنبلتان النوويتان عليها، وحتى لو لم تدخل روسيا الحرب، وحتى لو لم تُهدَّد بالاجتياح العسكري».

إذن لماذا أصرّ الرئيس الأميركي هاري ترومان على إلقاء القنبلتين على هيروشيما وناكازاكي؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة كانت تمكّنت من حلّ الرموز السرّيّة (الشيفرة) الخاصّة باليابان أثناء المراحل الأخيرة للحرب، وفي 12 تموز 1945 كشفت واحدة من تلك الرسائل عن قرار الإمبراطور نفسه بالتدخّل لإنهاء الحرب. كانت اليابان تعرف أنّ الرئيس السوفياتي الجنرال جوزيف ستالين وعد بدخول الحرب ضدّها بعد ثلاثة أشهر من استسلام ألمانيا في الثامن من أيار 1945. ولقد حصل ذلك بالفعل في الثامن من آب من ذلك العام. وكان ذلك وحده كافياً لإنهاء الحرب ولفرض شروط الاستسلام على اليابان أمام الدول الكبرى الثلاث بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، خاصة بعد استسلام ألمانيا. غير أنه كانت للرئيس ترومان حسابات أخرى. لم يكن ترومان يحتاج إلى القنبلة النووية لإخضاع اليابان بقدر حاجته إليها لتخويف الاتحاد السوفياتي وإرهابه. جرت أوّل تجربة ناجحة للقنبلة في 16 تموز 1945. وفي اليوم التالي كان ترومان مجتمعاً في بوتسدام مع ستالين وتشرشل.

يروي اللورد ألن برووك رئيس أركان القوات البريطانية في مذكّراته أنّ تشرشل فوجئ باللهجة الفوقية وبالتصرّف الاستعدائي للرئيس الأميركي وهو يحاور ستالين. فقد استفزّ ترومان الرئيس السوفياتي من دون مبرّر، وتوجّه إليه بطلبات مستحيلة، بل تعجيزية. ولم يفهم تشرشل هذا التحوّل في الأسلوب التفاوضي لترومان إلا في اليوم التالي عندما عرف بنجاح التجربة النووية الأميركية.

تكشف الوثائق الأميركية أنّ وزير الخارجية في ذلك الوقت جيمس بيرنز أبلغ الرئيس ترومان بأنّ «القنبلة النووية ستضع الولايات المتحدة في موقف تفاوضي قويّ يمكّنها من إملاء شروطها لإنهاء الحرب». إلى هذا يروي العالِم النووي الأميركي «لي زيلارد» في مذكّراته، التي نشرها بعنوان: «التاريخ الشخصي للقنبلة النووية»، أنّ الوزير بيرنز اجتمع به في البيت الأبيض، وأنّه أثناء الاجتماع لم يُثِر بيرنز ما إذا كان استخدام القنبلة ضدّ المدن اليابانية ضروريّاً لكسب الحرب، لكنّه كان يؤكّد أنّ «امتلاكنا للقنبلة وإظهار فاعليّتها سوف يجعلان الاتحاد السوفياتي أكثر طواعية في أوروبا». وهكذا كان.

جرى توظيف الإعلام على أوسع نطاق لإقناع الرأي العامّ الأميركي بأنّ استخدام القنبلة كان ضرورياً لتسريع إنهاء الحرب، وأنّ ذلك وفّر على الولايات المتّحدة أكثر من مليون قتيل! وما يزال معظم الرأي العامّ الأميركي حتى اليوم أسير هذا التوجيه.

أدّى إلقاء القنبلتين الأميركيّتين على اليابان إلى مقتل أكثر من مئة وأربعين ألف ياباني في هذين اليومين. وقتل التلوّث النووي فيما بعد عدداً مماثلاً. أمّا الرجل الذي قاد عملية إلقاء القنبلة توماس ويلسون فيربي، فقد مات في فراشه الوثير في آذار من عام 2000 (أي بعد 55 عاماً) عن عمر ناهز الواحد والثمانين وهو قرير العين مرتاح الضمير؟!

بالنسبة إليه، كان يؤدّي مهمّة عسكرية، وقد وضع نجاح المهمّة حدّاً للحرب العالمية الثانية. ولكن بالنسبة إلى المسؤولية الإنسانية فإنّ السؤال الذي ما يزال يفرض نفسه حتى اليوم هو: من المسؤول؟

هل تقع المسؤولية على الرئيس فرانكلين روزفلت الذي أطلق مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية؟

هل تقع المسؤولية على العالِم الفيزيائي ألبرت أينشتاين الذي أقنع روزفلت بإمكانية وبضرورة إنتاج القنبلة؟

هل تقع المسؤولية على العالِم النووي الألماني الأصل روبرت أوبنهايمر الذي كان قائد فريق العلماء الذي أنتج القنبلة؟

هل تقع المسؤولية على الرئيس الأميركي هاري ترومان الذي أعطى الأمر السياسي بإسقاط القنبلتين؟

كان أينشتاين يهودياً ألمانيّاً، وكان يعرف أنّ العلماء الألمان قادرون على إنتاج القنبلة، وأنّهم على مقربة من إنتاجها، وأنّهم يعملون على تركيبها. وبذلك أقنع الرئيس روزفلت باستعجال إنتاجها واستخدامها لحسم الحرب لمصلحة الولايات المتحدة.

كان أمل أينشتاين هو أن تُلقى القنبلة الأولى على مدينة ألمانيّة وليس على مدينة يابانية. غير أنّ الخوف من أن يصيب الإشعاع النووي الشعوب الأوروبية المتاخمة لألمانيا أدّى إلى اختيار الهدف الياباني البعيد والمنعزل حيث تتوافر ضمانات كافية بأنّ كلّ الضحايا المباشرين وغير المباشرين سيكونون من اليابانيين وحدهم.

في شهر آذار 1945 أمطر الأميركيون العاصمة اليابانية طوكيو بالقنابل فقُتل 85 ألف ياباني. حمل هذا القصف حكومة الإمبراطور هيروهيتو على قبول البحث في شروط الاستسلام. وفي هذه الأثناء، أُلقيت القنبلة النووية الأولى، ثمّ أُتبعت بالثانية بعد ثلاثة أيّام، وفي اليوم السادس كانت اليابان توقّع على وثيقة الاستسلام.

من هنا، لم يكن استخدام السلاح النووي ضروريّاً لحمل اليابان على الاستسلام. ولكنّه كان أداة لحملها على قبول استسلام مذلّ، وهو ما عزّز من الموقف الأميركي التفاوضي مع الاتحاد السوفياتي السابق على اقتسام تركة عالم ما بعد الحرب.

لم يكن استخدام السلاح النووي ضدّ اليابان هدف أينشتاين. كان هدفه الانتقام من ألمانيا النازية. ولقد أعرب عن خيبة أمله بعدما اطّلع على النتائج المروّعة لقنبلة هيروشيما بقوله: «لقد كان الأفضل لي لو عملت في تصليح الساعات بدلاً من العمل في علوم الفيزياء». ولكن قبل أن يُعهد إلى توماس فيربي بالمهمّة رقم 13، وهي رئاسة الفريق الذي أسقط القنبلة على هيروشيما، اشترك فيربي هذا في الحرب على الجبهة الأوروبية وقام بثلاث وستّين عملية ضدّ مدن ألمانية، ومنها بصورة خاصة مدينة درسدن التي تحوّلت مبانيها إلى أنقاض. وقد أدّى تفاهمه مع الطيّار العسكري بول تيبتس ونجاحهما معاً في إصابة الأهداف الألمانية المقرّرة إلى اختيارهما لمهمّة إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما.

أُخضع الفريق لتدريبات مكثّفة جرت في جزيرة تنيان في المحيط الهادئ، وأُخضع عناصره (11 طيّاراً) لفحوصات وتحليلات نفسية معمّقة، قبل الانطلاق بطائرة «إينولاجاي»، التي ما يزال سلاح الطيران الأميركي يحتفظ بها حتى اليوم، في رحلة استغرقت 13 ساعة من دون توقّف إلى هدفها المنكود. ولذلك أُطلق رقم 13 اسماً على تلك المهمّة التي وضعت العالم أمام مرحلة جديدة من الوحشيّة اللاإنسانية. وهي مرحلة ما تزال مستمرّة حتى اليوم ولو بأشكال مختلفة.

The post قنبلة هيروشيما.. هل تكون الأخيرة؟ appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.

التاريخ

المزيد من
المقالات