30 March, 2024
Search
Close this search box.
حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – قصة قصيرة “العزاء الأخير”
Spread the love

إقتحم المواطن الغاضب غرفة الأطباء صارخاً بقلق:

-صارحوني، هل مات فعلاً كما يشاع؟

نهض أحد الأطباء محاولاً تهدئة المواطن المنهار.

-لا ليس بعد.

-إفعلوا شيئاً لإنقاذه.

-إطمئن. هذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها وطنك من سكرة الموت. سبق وأنقذناه مرّات من موت محتم.

-هل اكتشفتم مرضه؟

يجيب الطبيب بتهكم:

-مرضه؟! قل أمراضه.

-أرجوك لا تخفي عني شيئاً. أخبرني ممّ يعاني؟

-لا أدري من أين أبدأ. لكن أخطر أمراضه مرض فقدان المناعة. وهذا سبب كاف لتراكم الأمراض التي لا يستطيع مقاومتها، مما يجعلها تستفحل في جسده المتآكل.

-وكيف فقد مناعته؟

-فقد مناعته عندما استقوى “الرئيس القوي” على الدستور. وعندما قطع النافذون يد القانون. وعندما تحوّل القضاة الى “سماعة هاتف”. وعندما اعتمدتم المشاريع العامة طريقاً مشرّعاً وشرعياً للإثراء. وعندما جعلتم مكبّات النفايات مكباً للمال العام. وعندما قبلتم بتحويل شركة الكهرباء من مصدر للطاقة إلى مصدر للارتزاق. وعندما أصبح الموظف يقبض راتبه الحقيقي مباشرة من الجمهور. وعندما شكّلت كوادركم الموهوبة قبيلة من البدو الرحل يتنقلون من باب سفارة إلى باب سفارة أخرى، بحثاً عن الكلأ. وعندما تقاسمتم الله وتنازعتم على ملكيته. وعندما جعلتم بيروت في ذيل “عواصم لبنان” بعد أن صار لكم في كل دولة من دول القرار عاصمة.

المواطن مقاطعاً:

-كفى، كفى … لكن أما من علاج؟

-طبعاً، هناك علاجات نقوم بإعدادها. فلعلاج لبنان لا بد من معالجة الإتفاق النووي الإيراني، ومن ثم، الوصول الى عناق بين واشنطن وطهران. ونتابع ببالغ الإهتمام من العراق نجاح جولات التفاوض بين السعودية وإيران. ونسعى لإنعاش مبادرة السلام العربية، علّها في طريقها تحرّر لنا مزارع شبعا. وأهم الأهم يبشرنا عظماء التحليل السياسي وعباقرته، بأن إنذار “ما بعد بعد كاريش” سيجعل الاسرائيلي يهلع ويهرع إلينا مستسلماً ومسلماً لنا حقولنا البحرية بكنوزها الغازية والنفطية.

يأخذ الطبيب نفساً عميقاً ويتابع:

-عند استكمال كل هذه المعالجات يمكن لنا محاصرة الفيروسات. وبالتالي، تهنئة اللبنانيين بسلامة لبنان.

خرج المواطن حاملاً إحباطه.

إنطلق صعوداً الى الأرز. إحتضن بعض أشجاره دامعاً. ثم اتجه الى الجنوب ودّع البيوت الصامدة. عاد الى بيروت. توقف عند صخرة الروشة متردداً. اعتذر عن الانتحار. وعندما وصل بعلبك، كان صوت فيروز قد هجر قلعتها.

بعد أن أتم رحلة الوداع … إنتقل الى سرداق كبير وجلس على كرسي ينتظر المعزين.

 

The post حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – قصة قصيرة “العزاء الأخير” appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.

التاريخ

المزيد من
المقالات