20 April, 2024
Search
Close this search box.
حوار الأديان بين التمني والواقع!
Spread the love

هيثم الموراني – الناس نيوز ::

عقدت وتعقد وستعقد العديد من المؤتمرات الهامة عن حوار الاديان وضروراته الانسانية ، وربما كان آخرها ” الحوار الكاثوليكي الشيعي ” الذي عقد في النجف الأسبوع الماضي ، وهو ما دفعني للكتابة عن هذه الحالة التي تهم معظم المتخصصين أو عامة الناس .

لكي نفهم المغزى الحقيقي والغاية الأساسية من طرح موضوع “حوار الأديان” لا بد لنا من إلقاء نظرة سريعة حول نشأة الأديان والمذاهب وتطور العقائد الدينية وانتشارها وما آلت إليه الحال في عصرنا الحالي من كوارث ومآسي كان سببها الرئيسي اختلاف الأديان والعقائد وأسس الإيمان.

منذ نشأة الحياة وتطورها على هذا الكوكب وجد الإنسان نفسه أمام سؤال غامض يتجاوز قدراته العقلية والمعرفية وهو (من أين جئنا وكيف؟)، لقد شكّل هذا السؤال لغزاً عميقاً لدى الإنسان لم يدرك له تفسيراً، وتحد كبير للوصول إلى إجابة منطقية عليه، بحيث تبدّد حالة الهلع والخوف المتزايدة من كل ما يحدث حوله ويحيط به من ظواهر غامضة لم تساعده مداركه المعرفية المحدودة من تفسيرها؟!.

ولكن مع بداية تشكّل الوعي الحسي والوجداني وتنامي التفكير العقلاني لدى المجموعات البشرية كان لا بد من السعي وتكثيف البحث وبذل المزيد من الجهد الفكري للوصول إلى إجابة على سؤال “حقيقة الكون والوجود”.

تخبرنا الاكتشافات الأثرية والدراسات التاريخية والبحوث العلمية المتنوعة أن المحاولات الجدية التي انتهجها الإنسان لفهم نشأة الكون وسر الوجود بدأت منذ ما يقارب (300,000) سنة خلت، ولكنها لم تتطور بشكل واضح وصريح إلاّ عندما هجر الإنسان حياة التنقل والصيد واستقر في تجمعات بشرية كبيرة مارس فيها أعمال الزراعة وتربية الماشية، أي ما يقارب (10,000) سنة من أيامنا هذه، وكان لاكتشاف الكتابة في الألفية الخامسة قبل الميلاد الأثر الكبير في زيادة المعرفة وارتقاء الوعي الحسي والأخلاقي، وتنمية التفكير المنطقي وظهور وعي روحاني ساعد على وضع قواعد أخلاقية ذات بعد فلسفي عميق بغطاء روحاني ينظّم العلاقات بين الأفراد في المجتمع الواحد، معزّزة بضوابط صارمة للإلتزام بها بغية الوصول إلى الأمن والآمان، وهكذا كانت الإنطلاقة الحقيقية للوعي الديني وظهور الديانات.

مرت البشرية عبر آلاف السنين بمراحل متعددة من التطوّر الفكري الفلسفي والروحاني، أدى ذلك إلى إنتاج المزيد من النظريات الفكرية والفلسفية ذات الطابع الروحاني بعمق إيماني، غايتها الأساسية إزالة الشك وفك لغز الكون وسر الطبيعة وحقيقة الوجود، ولتكريس هذه الأفكار والمعتقدات تم إسناد كل ما حدث ويحدث في هذا الكون إلى قوة خارقة غير منظورة لا يحدها زمان أو مكان أطلق عليها أسم (إله) أي رب معبود، نُسجت حول كينونته ملايين الأساطير والقصص التي تشرح ماهية “الإله” وقدراته التي لا يمكن لعقل بشري أن يحدها، كما أطلق على هذه النظريات والأفكار العقائدية الروحانية تسمية (دين) ديانات (وتعني الخضوع والطاعة والتسليم المطلق) بحيث تتماشى مع البيئة الثقافية والإجتماعية ومستوى الوعي والمعرفة للمجتمعات التي انتجتها، فظهرت ديانات فلسفية ذات طابع روحاني مثل (الهندوسية، البوذية، الزراديشتية، الكونفوشيوسية) وغيرها الكثير من الأفكار والمعتقدات التي أدت إلى تعدد الآلهة وتنوع العبادات والطقوس، ولكنها فشلت جميعها في بلوغ حقيقة الذات الإلهية والوصول إلى إجابات منطقية واضحة عن حقيقة الكون وسر الوجود، إلى أن ظهرت الديانات (السماوية) الإبراهيمية التوحيدية (اليهودية، والمسيحية، والإسلام) التي رسّخت مبدأ الإيمان بوجود “إله” واحد خالق مبدع هذا الكون بكل ما فيه وما عليه، وكل ما يرى وما لا يرى، ومع التطور السريع للحياة وتوسّع المجتمعات البشرية وانتشارها كان لابد من أن يحصل تلاقي بين هذه الثقافات والأديان المختلفة، فبدلاً من تلاقحها وتنقيتها وتطويرها، حدث تصادم كبير فيما بينها أدى إلى إنكماش المجتمعات وإنغلاقها وظهور مشاعر التعصّب والكراهية، ولم تسلم الأديان السماوية “التوحيدية” من ذلك مما تسبب في صراعات دامية ذات مصدر عقائدي أدت إلى فوضى عارمة طالت الجميع ولم ينجو من لهيبها أحد ومازالت حتى يومنا هذا.

أمام هذه الفوضى العقائدية ذات الطابع الديني وما تسببت به من نزاعات دموية هددت السلام العالمي وأضعفت الشعور بالأمن والأمان وخلقت حالة مزرية من عدم الاستقرار وخصوصاً في المجتمعات ذات التعددية الثقافية والدينية كان لا بد للقيادات الروحية والمدنية والفلاسفة وأصحاب الفكر التنويري من التحرّك لبدء حوار عقلاني بين مختلف الأديان والعقائد المتنافرة بحيث يفضي إلى صيغة تؤسس للأتفاق على وثيقة عقد اجتماعي إنساني يحد من هذا العنف المتصاعد ويحوّل الصراع الثقافي والعقائدي السلبي إلى تعاون فكري اجتماعي إيجابي بمفهوم إنساني يحقق العدالة والأمن والسلام لكافة المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافاتهم ومعتقداتهم.

المراجع:

  • الدين – تاريخ الأديان (داريو سابباتوتشي).
  • الموسوعة الحرة – الديانات الإبراهيمية.
  • صراع الأديان – مجموعة دراسات مستقلة.
  • الموسوعة الحرة – الأديان في العالم.
  • حوار الأديان – دراسات ومقالات مستقلة.
  • المؤتمر العالمي للأديان.

The post حوار الأديان بين التمني والواقع! first appeared on الناس نيوز.

التاريخ

المزيد من
المقالات