25 April, 2024
Search
Close this search box.
Spread the love

غادة بوشحيط – الناس نيوز ::

لا شك أن للصور التي نستهلكها في مختلف المراحل العمرية دور في بنائنا الذهني للعالم، وفهمنا للظواهر، ودرجت وسائل الإعلام لسنين طويلة من خلال مختلف الوسائط في تبسيط رسم نماذج من الحياة اليومية، وتدعيم الصور النمطية وتطوير أخرى، وعلى الرغم من الاختلافات بين الصورة والواقع بتفاصيله وتعقيداته إلا أن للصور النمطية دور في فهم والتعاطي مع العالم من حولنا، ويزداد الأمر تأثيرا مع الوسائط الجديدة.

انتهت آخر فصول الطلاق الأشهر على الإطلاق -على ما يبدو- بين الممثلين الهوليوديين جوني ديب وآمبر هيرد من أيام قليلة، ولكن نهايتها لم تكن سوى بداية لجدل جديد، يفتح الباب واسعاً لنقاشات حول الأيديولجيات المستجدة وقدرتها على التأثير والتغيير.

المحاكمة التي امتدت لستة أسابيع كاملة، وتناولت قضية التشهير التي رفعها “قرصان الكراييب” ضد زوجته السابقة نجحت في صناعة رأي عام على امتداد كامل الكرة الأرضية تقريباً، شهدت متابعة مكثفة حضورية وافتراضية لوقائع أقل ما يقال عنها أنها أماطت اللثام عن حجم تأثير المشاهير في الحياة العامة، وأهمية صورتهم في سوق الصناعات الترفيهية. لكن الأكثر إثارة للذهول والخوف معاً هو ردود الأفعال الجماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف المستجدات، والتي وإن بدأت بحملات داعمة للطرف المفضل، فقد انتهت بحملات تنمر عارمة ضد آمبر هيرد التي خسرت القضية وستضطر لدفع تعويض لزوجها السابق بحسب قرار المحكمة، في حين يتحدث البعض عن سعي بطل “شارلي ومصنع الشوكولا” للتنازل عن أموال التعويض، والاكتفاء بالفوز المعنوي والرمزي، الذي سيعيد إليه نصاعة صورته التي تأثرت باتهامات زوجته السابقة وما انجر عنها من تراجع للعقود الإشهارية وحتى داخل هوليود هو الذي يعد من أشهر وأهم نجومها.

على الرغم من استغلال “أمبير هيرد” لموجة ” Me too/أنا أيضا” العالمية في محاولة كسب قضيتها، هي التي ادعت تعرضها للعنف المنزلي، في خضم سلسلة الفضائح التي طالت صناعة السينما في هوليود، سرعان ما انقلب سحرها عليها حين تمكن فريق الدفاع عن خصمها من دحض كل ادعاءاتها، ليجد الملاحظون لسوق “النضالات 2.0” أمام حالة شاذة، لا يبدو أنها تؤكد القاعدة.

لقد عرف بروز مواقع التواصل الاجتماعي بلورة لمفهوم “الوكيزم/ wokism” الذي ظهر بين سود الولايات المتحدة الأمريكية أواخر ستينيات القرن الماضي، للتعبير عن أهمية الوعي واليقظة بقضايا العنصرية التي يعاني منها سود الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن سرعان ما انتقل المفهوم ليغطي مساحات نضالية أخرى، انطلاقاً من العنف ضد النساء والـ “me too/أنا أيضا” التي سرعان ما تحولت لحملة عالمية، ثم قضايا الهويات الجنسية والقضايا الجندرية إضافة للتنمر الذي أضحى أولوية عملت على ترسيخها آلة الإعلام الدولية ومادة للسياسات التعليمية وغير التعليمية في أقطار عديدة. ومع تزايد الشكوك حول جدوى “النضال 2.0″ و”الوكيزم” لظروف نشأته الأمريكية الخالصة، وطريقة تعامله مع القضايا ذات السياقات الخاصة وكذا للسلبيات التي أصبح يثيرها كمسمى “ثقافة الإلغاء” التي تطال غير المنشغلين والمتعاطفين مع الأيديولوجيا الجديدة وقضاياها، فقضية الثنائي “هيرد-ديب” تفتح العيون على مدى وعمق تأثير هذا الفكر.

كان رد فعل جوني ديب مباشرة بعد انتهاء قضية التشهير التي كسبها هو إطلاق قناته على موقع “تيك توك”، ولم تكد تمر ساعات حتى انضم قرابة مئة مليون متابع لها، “تيك توك” الذي كان الأرضية الأخصب التي عرفت انتشاراً رهيباً لفيديوهات تسخر من طليقته بشكل مؤذ، حيث لم يترك رواده إيماءة ولا حركة إلا وقاموا بتقليدها والتعقيب عليها، خصوصاً بعد خسارتها لتصبح أهم وأشنع مذنبة في تاريخ صناعة الترفيه، وتقدم كمثال للشر، أو كغير الموهوبة التي حاولت استغلال ما توفر لديها من قدرات تمثيلية لتؤدي دور الضحية، في حين يقدم ديب كمثال للبطل الخير الجميل مستعيدين الكثير من أقواله من داخل المحكمة كتعقيبه على تناوله للكحول كوجبة إفطار، وابتساماته الساخرة على طريقة الشخصية التي أداها في “قراصنة الكاريبي”.

ردود الأفعال هذه جعلت المشتغلين بحقول علم النفس الاجتماعي يقفون مكبلين أمام سطحية تعامل جحافل مستخدمي “مواقع التواصل الاجتماعي”، المجبرين على اعتناق الأيديولوجيات المبشرة بأفكار تدعي جعل العالم مكاناً أفضل يسع جميع الكائنات، أمام التنميط الذي يستخدم في وسم الضحية والجاني، القائم على الاستدلالات ذاتها التي درجت عليها أفلام الكارتون وسينما الدرجة الثانية، من خصائص جسمانية، وإيماءات، وعن قدرة ذلك على التأثير في التعاطي مع أشخاص أقل حظاً من الثنائي “ديب-هيرد”، الذي أثبت بشاعة وعنف ردود أفعال الرأي العام في التعاطي بالصور (عبر مواقع التواصل الاجتماعي)، مع صور (ممثلين مشهورين) وفق صور -نمطية-، ومواقف أكثر جدية وواقعية قد تكون حياة البعض فيها على المحك.

لا شك أن لمواقع التواصل الاجتماعي أدوارا سوسيو-ثقافية، لن يتعدى “الوكيزم wokism”” ولا “ثقافة الإلغاء cancel culture” سوى مستوى الافرازات الفكرية الأولى لها، فمستقبل البشرية ربما يحاك بين خيوط شبكاتها، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مدونة القوانين الاجتماعية للعشريات القادمة يشارك في حياكتها المنتمون إلى الأجيال الأحدث من أطفال ومراهقين، والذين يعدون من أكبر المدمنين على عوالم الوسائط الحديثة، ولكن الأسئلة الحقيقية الواجب طرحها يجب أن تركز عن عمق تأثير هذه الوسائط في الحياة الاجتماعية، وجدية الأفكار التي تعالج إضافة التزام مبني على نظرة وقراءة حرة للأفكار وقدرة على الإقناع، لا مجرد إفرازات استهلاكية أخرى تسعى للتدثر بلباس الفكر والثقافة.

 

The post وعي 2.0 first appeared on الناس نيوز.

التاريخ

المزيد من
المقالات