25 April, 2024
Search
Close this search box.
لبنان: «تقسيم الضرورة»!
Spread the love

بقلم عماد الدين أديب

”اساس ميديا”

ليس كل من يعيش على قطعة أرض متصلة ممتدة هم أبناء وطن واحد.

تعريف الشعب علمياً هو أنّه «مجموعة الأفراد أو الأقوام الذين يعيشون في إطارٍ واحد من الثقافة والعادات والتقاليد ضمن مجتمع واحد وعلى أرضٍ واحدة بعقد إجتماعي متفق عليه».

وفي حالة لبنان اليوم، ليس كلُ سكانه هم أبناء وطن متجانس واحد يتّفقون فيه على حدوده النهائية وأهدافه الوطنية وانتمائه الإقليمي.

هذا اللبنان فيه حزب خارج الدولة، ولديه مؤسساته المالية، مثل مؤسّسة «القرض الحسن»، ومراكز رعايته الاجتماعية ومستشفاياته وقطاعه التعليمي ومناهجه الخاصة…

تعالوا نتأمّل ما حدث أخيراً في معرض بيروت للكتاب الذي كان يُعتبر «كعبة النشر والثقافة»، والفكر التنويري والإشعاع الثقافي، وخزّاناً متقدّماً للترجمة وعرض وتحليل ما لا تجرؤ أيّ عاصمة عربية أخرى على تقديمه.

تحوّل المعرض في نسخته الأخيرة إلى منصّة لكتب وأفكار التشييع والرعاية السياسية لولاية الفقيه، وتمّ تسويره بجدارية هائلة «للمناضل قاسم سليماني».

حتّى هذه اللحظة لم يعرف أحد علاقة قاسم سليماني بمعرض الكتاب والنشر ومشروع بيروت للتنوير!

فلننظر إلى ما يحدث الآن في ما يُعرف بصرح ثقافي عظيم ومستقلّ هو «مسرح المدينة» في شارع الحمرا ببيروت.

لِمن لا يعرف مسرح «المدينة» فهو صرح ثقافي تنويري افتُتح عام 1994 بعد نهاية الحرب الأهلية ليقدّم أعمالاً فنّية رفيعة بأسعار شعبية.

بدلاً من أن يعرض أعمالاً تنويرية وتجريبية أو غناء أوبراليّاً أو أعمالاً لمارسيل خليفة أو زياد الرحباني يتحوّل الآن مسرح «المدينة» إلى مكان أشبه ما يكون بـ»الحسينيّات».

لا تعرض قناة «المنار» ما تعرضه الـ»mtv».

مطربو الحسينيّات لا علاقة لهم بوائل كفوري وإليسا ونانسي عجرم.

تختلف شوارع ومتاجر الضاحية ومقاهيها تماماً عن جونيه والأشرفية والبترون وبكفيا.

إنّها ليست حالة من الاختلاف أو التنوّع في أسلوب الحياة ومناهج التفكير، بل هي حالة تناقض كاملة وتوق إلى مرحلة من التصادم من حيث الهويّة الوطنية والثقافة العامّة.

يوجد في لبنان لبنانان:

– لبنان الأول: هو لبنان التعايش والانفتاح المنسجم مع محيطه العربي، السيّد المستقلّ المتعدّد المذاهب والطوائف والثقافات واللغات، صاحب رؤية الحرّية في التفكير والعمل والاستثمار المتعايش مع اختلاف مشارب وأفكار سكّانه، الذي يعتبر أنّ التنوّع والتعدّد هما أسلوب حياة وعنصر متفرّد من التنوير والتقدّم.

هذا اللبنان متأثّر بالثقافة الفرنكوفونية وتعدّد اللغات والتعليم الجيّد وبمجتمع المهاجرين المغتربين، ومرتبط بعمالة نشطة ومميّزة في العالم العربي وإفريقيا.

– لبنان الثاني: هو لبنان الذي يسعى إلى تنفيذ مشروع ولاية الفقيه، والذي يرى أنّ انتماءه يجب أن يكون إلى مرجعية نائب الإمام الغائب الموجود في طهران.

يرى هذا اللبنان أنّ الشيعية السياسية هي فكر المظلومين الذين يقاومون الاستكبار العالمي الموجود في الغرب والذي يقوده «الشيطان الأكبر» الأميركي.

يتمركز هذا اللبنان في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، ومدن الجنوب اللبناني وبعض البقاع وكسروان، ويتلقّى دعمه المالي ويعتمد في شريان حياته على الدعم الإيراني مالاً وتسليحاً، ويتّخذ من المرجعية الإيرانية المرجعية الأولى سياسياً ومذهبياً.

يرى هذا اللبنان أنّ أعداء إيران هم بالضرورة أعداؤه، وأنّ حلفاء إيران هم حكماً حلفاؤه. وتمثّله صورة سليماني، مع الاحترام له، في معرض بيروت للكتاب والنشر.

الخطأ المسيحي والخطأ الشيعي

وقع خطآن تاريخيّان في تاريخ لبنان الحديث:

– الخطأ الأول هو خطأ مسيحي، وهو محاولة اختصار لبنان في الهوية الفرنكوفونية ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، وهذا المشروع قامت بتنميته «المسيحية المارونية السياسية» منذ عام 1943.

– الخطأ الثاني هو خطأ شيعي سياسي صاحب وصول آية الله الخميني للحكم في إيران عام 1979 وتأسيس حزب الله اللبناني، خاصة بعد وصول السيّد عباس الموسوي إلى منصب الأمين العام للحزب.

مع هذا الخطأ تحوّلت الضاحية الجنوبية ومدن الجنوب اللبناني وبعض البقاع وبعلبك، من طريق خلدة إلى صور ومرجعيون والنبطية حتى الحدود مع فلسطين وصولاً إلى جرود الهرمل وبعض بلدات جبيل، إلى «نماذج مصغّرة» للمدن الإيرانية في أسلوب الحياة وشكل العمارة وملابس المرأة وعلاقة المؤسّسات المحلّية والبلديّات بفروع وقواعد التنظيم.

في تلك المناطق تلاشت الدولة تدريجياً وأصبح كلّ الأمر والنهي بيد الحزب ومؤسّساته وميليشياته ورجاله ومرشّحيه الذين أصبحوا بفضل سيطرة فائض قوّة الحزب المالية والتسليحية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية أصحاب القرار المحليّين في تلك المناطق.

هكذا هي الطائفية في لبنان حيث الولاء للطائفة أقوى من الولاء للدولة والحكومة، بالنسبة لأكثرية اللبنانيين.

ولاء السُنّة لدار الفتوى، وولاء الموارنة لبكركي، وولاء الدروز للمختارة، والولاء في بقية الطوائف الـ14، أقوى من الولاء لمشروع الدولة الوطنية.

أثّر ذلك كلّه بعمق على الولاء الخالص لمؤسسات الجيش وكلّ مؤسّسات الدولة التي يحقّ لها دستورياً ممارسة القوة المسلّحة تحت سقف القانون، وهكذا بات الولاء للطائفة أكبر وأهمّ من الولاء للمؤسّسة.

نحن أمام حالة «استحالة تعايش» حقيقية وانسداد سياسي بامتياز تغتال أيّ محاولة للتشارك الوطني في إدارة الدولة وتحقيق أيّ استقرار حقيقي.

حتمية التقسيم؟

إلى أين يأخذنا هذا التشخيص إن صحّ؟

إن صحّت هذه الرؤية أو هذا التوصيف الدقيق، فإنّنا أمام مشروع انقسامي بشكل عمودي يفضي حكماً إلى التقسيم، طال الزمان أم قصر.

نحن نعيش الآن في لبنان حالة تقسيم واقعي يتمّ على أرض يتشارك فيها السكّان.

مع استمرار حالة الاستقطاب هذه، ومع تأثير الدورين الإيراني من ناحية الشيعة والفرنسي من ناحية المسيحيين، وتراجع الدور العربي لدى السنّة والدروز، وقلق الفاتيكان على مستقبل لبنان ككلّ والموارنة على وجه الخصوص، يتأهّل لبنان لدخول «الدور النهائي لعملية التقسيم الجغرافي» بحيث يأخذ كلّ فريق قطعة أرض يديرها كما يريد!

حينئذٍ يستحيل التعايش ويأتي التقسيم. هكذا علّمنا التاريخ القديم والحديث، لأنّ أرضاً بلا تعايش هي وصفة دمار.

لا يمكن للبنان أن يصبح كلّه دولة ولاية الفقيه.

ولا يمكن للبنان أيضاً أن يصبح فرنكوفونياً.

ولا يمكن للبنان كلّه أن يصبح ملحقاً بالنظام الأمنيّ السوري.

في مثل هذه الحالات التاريخية يظهر «شبح التقسيم».

يتبع غدا

The post لبنان: «تقسيم الضرورة»! appeared first on جريدة الشرق اللبنانية الإلكترونيّة – El-Shark Lebanese Newspaper.

التاريخ

المزيد من
المقالات